العجز الإداري وخسارة المنظمات
من المحبط رؤية من تعلق عليه الآمال وهو عاجز عن القيام بالخطوة المنتظرة، أو يقوم بتنفيذ إجراء بديل لا يرتقي إلى التوقعات. يحدث هذا الأمر كثيرا في سياقات العمل، خصوصا مع المدير الذي يتخبط في ظروف معينة، أو يحيد بسلوكه إلى جانب غير موفق، أو يصدر أحكامه ويتخذ قراراته وهو بعيد عن الواقع.
تفصيل ذلك في القصة القصيرة التالية، بيئة عمل متطورة وفي طور انتقالي من الانغلاق إلى الشفافية. هذا المدير مهتم بأمر الشركة ولكنه خجول ولا يحب المواجهات، لا يحب أن يواجه الآخرين حتى لو كانوا موظفيه ولا يحب أن يشاهد مواجهات الموظفين لبعضهم بعضا. يواجه هذا المدير مشكلة في التعامل مع إجراء معين سببها توقعات غير منسقة بين عدد من الموظفين لديه. ينظر إلى المشكلة ويجد أن الأطراف المؤثرين بحاجه إلى فهم المشكلة، وإلى الحديث عنها بشفافية، وإلى الاتفاق على أسلوب يقبله الجميع لمعالجة المشكلة. التحدي هنا أن المدير لا يريد أن يناقش هذه المسائل بحضور الجميع، ولا يظن بأنه مستعد لفتح النقاش بشكل واضح ومباشر مع فريقه، في الحقيقة يشعر بالخوف من ذلك ويبرر لنفسه بأن هذا الأسلوب قد يصنع احتكاكات هو في غنى عنها. لذا، يقوم بتنفيذ التكتيك البديل، وهو الحديث مع كل طرف على حدة، وأثناء الحديث الفردي يحاول شرح المشكلة وشرح موقف الطرف الثاني ويؤيد أثناء ذلك من يتحدث معه. هو لا يعلم بأن حديثه الشخصي يلامس الخطوط الحمراء لأنه يفترض بعض ما لم يتأكد ويتحقق منه، ولا يعلم بأنه حديث يفتقد الشفافية لأنه يختلف في كل مرة ومع كل شخص، ولا يعلم بأن كلامه سينقل وبشكل يخالف الهدف الذي طرحه من أجله. في النهاية، لا يعلم هذا المدير بأنه ينشر السمية ويخرب بيئته ويحفز فريقه لاستكشاف النيات والمخططات بالأسلوب نفسه.
المثال الآخر نجده في مدير يبتكر بكثرة ولكن معظم ابتكاراته لا داع لها. يواجه مثل هذا المدير مشكلة في إدارة المبيعات، فنشاط الفروع والمنتجات في حالة خمول وسبب المشكلة غير واضح. ستجد هذا المدير يقفز إلى تفعيل الاجتماعات الاستفتاحية لبعض العلاقات ثم يترك فريقه ليستكمل الباقي. وإذا شعر بانتهاء العام واقتراب رصد النتائج سارع بالتواصل مع المسوقين المستقلين وشاركهم جزءا معتبرا من الأرباح لتحسين المبيعات، وربما استخدم شركة مساندة بتكلفة مرتفعة دون تحليل للمسببات أو بناء للقدرات.
وليس بعيدا عن هؤلاء المدير الذي يعرف كيف يستجيب للمتطلبات النظامية بتعديل المستندات بأثر رجعي. مثل هذا لا يعالج الأمر بشكل نهائي فكل حلوله تقع ضمن فصل التطويع والترقيع. أحيانا وفي حالات نادرة يكون لديه وجهة نظر لأن المسؤول قام بما يلزم فعليا، ناقش الموضوع واتخذ القرار بشأنه، ولكن لم يوثق القرار بشكل واضح. لذا إعادة توثيق القرار أمر طبيعي، ولكنه لا يعالج التحدي من أساسه وبشكل دائم، إذ ينتهي بغرفة عمل لمعالجة المستندات السابقة تعمل مرة في العام، مرة كل عام.
لم يعجز هؤلاء المديرون عن التصرف ومحاولة إيجاد حلول لمشكلاتهم، ولكن حلولهم مؤقتة وقاصرة، وقد تكون مدمرة إن صح التعبير. فهي لا تفهم المشكلات بشكل دقيق ولا تقدم معالجات مستدامة. تكثر هذه التصرفات التي تسبب بشكل أو بآخر تراكمات أكثر تعقيدا في المستقبل وتزيد الهم هما.
يفتقد كثير من المديرين الحلول الإدارية والتنظيمية التي تساعدهم على معالجة التحديات بأقل الخسائر. هذه المهارات المفقودة هي مهارات مهنية شخصية في الأساس، مرتبطة بطريقة التفكير وباقة الحلول التي يحملها المدير في حقيبته الإدارية. لو نظرنا إلى طبيعتها لوجدنا منها ما يربط بإدارة الأفراد والمجموعات ومنها ما يعتمد على متطلبات العمل التنظيمي وأسلوب الربط بين الممارسات والإجراءات ونماذج العمل المستهدفة، ومنها ما يرتبط بطبيعة المجال الذي يعمل فيه المدير. من غير العملي أن يحاول مدير التسويق والمبيعات أن يعالج تحدياته وهو لا يعي السمات السلوكية لعملائه ولموظفيه، ولا الأدوات التي يجمع بها المعلومات ويفهمها ويديرها هو وفريقه ـ مثل أنظمة إدارة علاقات العملاء ـ ولا أساسيات نقل المعرفة والحفاظ عليها. تخسر المنظمات كثيرا بسبب العجز الإداري ويخسر الجميع معها، الموظفين والعملاء والملاك.