عم تبحث؟

الصورة والنص المكتوب يسهمان في صناعة خيال المتلقي، فالمتلقي للنص يشكل الصورة التي يرغب في رؤيتها بعقله، في حين تجعله الصورة كسولا أو أقل خيالا وربما انتباها لتفاصيل مكتوبة إما مع الصورة أو مستقلة وحدها.
كلاهما الصورة والنص مهدد بالذكاء الاصطناعي الذي يمكنه أو يمكن لمن يستخدمه استخداما سيئا أن يحرف معانيها أو محتواها ليبعدها عن مقصدها الإبداعي أو الاتصالي.
في زمن الاستهلاك المعلوماتي السريع طغت الصورة الثابتة وتلك المتحركة عبر مقاطع الفيديو على النص، وأصبحت هي من يلتقط حواس المتلقي أولا، وعند البعض أولا وأخيرا، حتى إن كثيرا من المحتوى الجيد إبداعا أو نقلا يحتاج إلى صورة حقيقية أو تعبيرية للإمساك بتلابيب المتلقي قبل أن تنتقل عينه للصورة التي تليها.
أحد الأذكياء بعث صورة عادية لبعض المتلقين لعلبة دواء مسكن لأعراض البرد التقطت من أحد مواقع البيع على الإنترنت وفيها تفاصيل العبوة والسعر وغيرها، بعثها بطريقة إعادة الإرسال فظن المتلقي أنها مصادفة أو أرسلت له بالخطأ بدلا من المقصود الذي ربما يكون مريضا واستشار المرسل عن أفضل المسكنات التي تعرض للعليل دون وصفة لأنها لا تعالج بقدر ما تسكن الأعراض مؤقتا.
أحد المتلقين أدرك متأخرا نسبيا أن المقصود ليس السلعة المعروضة، لكن الكتابة في حقل البحث في الموقع التي تطرح سؤالا يبدو عاديا هو: عم تبحث؟ وتوقع أن هذه هي الرسالة وقد يكون مخطئا، لكنه أدرك أننا عادة ما نركز على الصورة وننسى التفاصيل المحيطة بها، الوقت، والتاريخ، وكل العلاقات الممكنة التي تحدد تلقينا وربما إجابتنا.
عم تبحث؟ سؤال يستطيع الرجوع إلى الخلف والتقدم إلى الأمام ويغوص في أعماق الإنسان، وأيا كانت الإجابة فهي خاصة رغم أنه سؤال عام في موقع عام لكن "الذي تبحث عنه" ليس المسكن في الصورة، ربما يكون "السكون" إذا عرفت الإجابة الحقيقية والصادقة عن السؤال، وقليل من الناس يعرف ما يريد، وكيف يصل إليه.
القارئ "المتمعن والمتنبه" يفترض ألا تأخذه الصورة عن الكلمة، وفي حالات أخرى ليس لها علاقة بالإبداع والتلقي ربما يكون سبب وقوع كثير من المتعجلين في الاحتيال عبر المواقع أنهم ينظرون إلى الصورة، بل تتجه أبصارهم إلى الأيقونة التي يجب أن يضغطوا كما اعتادوا دون أن يقرأوا المصدر أو العنوان على شبكة الإنترنت الذي يمكن أن يكون مؤشرا مهما لحدسهم ونجاتهم من المحتالين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي