نقاط حول مؤشرات ميزانية الربع الأول

أصدرت وزارة المالية أخيرا التقرير الربعي لأداء الميزانية العامة للدولة للربع الأول 2023. يتضمن التقرير ملخصا لأهم مؤشرات الميزانية وبياناتها الفعلية خلال الربع الأول من العام الحالي، وإجماليات العام الماضي المحققة. ونظرا إلى صعوبة تغطية كامل تفاصيل التقرير في مقالة بهذا الحجم، فسيتم التطرق إلى بعض النقاط حول أداء الميزانية خلال الربع الأول 2023، وإلقاء إطلالة سريعة على إجماليات أداء ميزانية 2022.
قد فاقت إيرادات الدولة العام الماضي تقديرات موازنتها بنحو 223 مليار ريال، كما ارتفعت مصروفاتها بنحو 209 مليارات ريال عن المخطط له، ومع ذلك ارتفع فائض الميزانية عن تقديرات موازنة العام الماضي بنحو 14 مليار ريال ليصل إلى نحو 104 مليارات ريال في 2022. وتعود زيادة الإيرادات غير المتوقعة بالدرجة الأولى إلى الارتفاع الكبير في الإيرادات النفطية الناتج بدوره عن تحسن أسعار النفط القوي وزيادة الإنتاج مقارنة بمستوياتها في 2021.
ارتفعت إيرادات الميزانية العامة للدولة في الربع الأول 2023 عن نظيرتها خلال الفترة نفسها من العام الماضي بنحو 1 في المائة. جاء الارتفاع نتيجة زيادة الإيرادات غير النفطية بنسبة 9 في المائة، الذي فاق التراجع البسيط في الإيرادات النفطية بنسبة 3 في المائة. وأتى ارتفاع الإيرادات غير النفطية نتيجة نمو إيرادات الضرائب التي تشكل معظمها. وترتفع إيردات الضرائب عادة في حالة فرض ضرائب جديدة أو تحسين أداء تحصيلها أو نمو الاقتصاد. ونظرا إلى عدم فرض ضرائب جديدة خلال الفترة فمن المرجح أن نموها جاء بالدرجة الأولى نتيجة النمو الاقتصادي خلال الفترة، وقد يكون لزيادة أسعار بعض السلع والخدمات دور في رفع حصيلة بعض الضرائب.
تراجعت الإيرادات النفطية خلال الربع الأول 2023 لانخفاض متوسط سعر النفط العربي الخفيف بنحو 16 دولارا للبرميل خلال الفترة مقارنة بمستوياته للفترة ذاتها العام الماضي. وقد عوضت الزيادة الطفيفة في الإنتاج ـ خلال الربع الأول 2023 مقارنة بمستواه في الفترة نفسها العام الماضي ـ جزءا من خسارة الأسعار، كما يبدو أن نسبة استقطاعات شركة أرامكو من إجمالي مبيعات النفط خلال الربع الأول 2023 تراجعت بعض الشيء، ما حد من انخفاض الإيرادات النفطية بالنسبة نفسها لتراجع الأسعار.
شهدت المصروفات الفعلية خلال الربع الأول 2023 نموا قويا مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث ارتفعت 29 في المائة. وكان إجمالي المصرفات بحدود 220.5 مليار ريال في الربع الأول 2022، أما خلال الربع الأول 2023 فقد قفزت إلى 283.9 مليار ريال، وجاءت الزيادات في كل أقسام الإنفاق الرئيسة. شهد الإنفاق الرأسمالي "المشاريع" خلال الفترة أكبر زيادة سنوية بين النفقات بنسبة 75 في المائة، كما سجل استخدام السلع والخدمات نموا سنويا بنسبة 70 في المائة. ويلاحظ في بيانات التقرير ارتفاع نفقات التمويل 50 في المائة، وهذا عائد بالطبع لتوالي رفع معدلات الفائدة في الأسواق العالمية المتأثر برفع مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة الأساسية. وقد أسهم نمو الإيرادات الكبيرة العام الماضي في رفع درجة التفاؤل تجاه الإيرادات المستقبلية، وشجع بالتالي زيادات الإنفاق لتنشيط الاقتصاد ودفع عجلة النمو. كما قد يكون لزيادة أسعار بعض السلع والخدمات دور محدود في زيادة الإنفاق.
تم خلال فترة الربع الأول 2023 صرف 25 في المائة من إجمالي المخطط له في الموازنة، فيما قد يكون مؤشرا على محاولة ضبط وتيرة الصرف خلال فترات الميزانية، وجلب درجة من الاستقرار المالي، وتجنب التفاوت الكبير في مستويات الإنفاق بين الأرباع السنوية.
شهد الربع الأول 2023 عجزا محدودا في الميزانية يقل بقليل عن ثلاثة مليارات ريال. وجاء العجز بسبب زيادة الإنفاق الكبيرة وتراجع الإيرادات النفطية الطفيف. من جانب آخر تشير بيانات التقرير إلى تراجع الدين العام للدولة خلال الربع الأول 2023 بنحو 28 مليار ريال إلى ما يقارب 962 مليار ريال. وبذلك تبلغ نسبة الدين العام 23 في المائة الناتج المحلي الإجمالي لـ2022، وتقل هذه النسبة كثيرا عن مثيلاتها في معظم دول العالم. إضافة إلى ذلك تعطي نسبة الدين العام هذه إلى الناتج المحلي مجالا آمنا للتوسعات المالية المستقبلية في حالة الضرورة. وقد تراجعت الديون الخارجية خلال الفترة بنحو 31 مليار ريال إلى ما يقارب 344 مليار ريال، بينما زادت الديون المحلية بما يقارب أربعة مليارات ريال إلى نحو 615 مليار ريال. وجاء انخفاض الدين العام بسبب حلول آجال بعض السندات وتجنب الاقتراض تفاديا لزيادة تكاليف التمويل الناتج بدوره عن ارتفاع معدلات الفائدة العالمية. ومن المتوقع أن تزداد تكاليف خدمة الدين خلال الفترات المقبلة، ما سيثبط الاقتراض ويشجع على سداد أصل الدين والخارجي منه بالدرجة الأولى. فزيادة خدمة الدين محليا تعود على الاقتصاد المحلي بالنفع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي