Author

التضخم .. هل نحتاج 12 عاما ؟

|

في آخر حديث لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الجمعة الماضي لم يقدم جيروم باول أي تطمينات أو إشارات مؤكدة لمسار معدلات الفائدة في الفترة المقبلة، بما في ذلك ما سيحدث في اجتماع المجلس في الشهر المقبل. بل إن حديث باول تضمن تلميحات تشير إلى احتمال مواصلة رفع أسعار الفائدة بحجة أن التضخم لا يزال بعيدا عن المعدلات المنشودة بحدود 2 في المائة سنويا.
حالة عدم التفاؤل لدى باول تأتي على الرغم من مواصلة انخفاض وتيرة التضخم من شهر إلى آخر على أساس سنوي، مع وصول النسبة لنيسان (أبريل) إلى 4.9 في المائة، وذلك عقب عشر مرات تم فيها رفع معدلات الفائدة، خلال عام واحد فقط. في حديثه أشار رئيس "الاحتياطي" إلى أنه يعتقد أن أمامهم مشوارا طويلا قبل أن تعود معدلات التضخم إلى نسبة 2 في المائة، في إشارة إلى احتمال مواصلة رفع الفائدة بقية العام.
تتفاوت التوقعات بين خبراء أسواق السندات، حيث يشير البعض إلى احتمالية بقاء التضخم عند مستويات 3 إلى 5 في المائة لعدة أعوام حتى إن دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، وفي ذلك إشارة خطيرة إلى الدخول فيما يعرف بالركود التضخمي، حيث تكون الأسعار مرتفعة والاقتصاد متراجعا والبطالة تتزايد.
خلال الأيام الخمسة الماضية ارتفع العائد على السندات الحكومية العشرية من 3.5 إلى 3.7 في المائة، ما يشير إلى تزايد احتمال ارتفاع معدلات الفائدة عن الأيام الماضية، علما بأن العائد على السندات العشرية كان 3.2 في المائة قبل نحو شهر من الآن. وهناك كذلك ارتفاعات في عوائد السندات لآجال مختلفة، نرى فيها عائد عام واحد يرتفع خلال أيام قليلة من 4.3 إلى أكثر من 5 في المائة.
الإشارات المشجعة التي يبحث عنها الاحتياطي الفيدرالي هي أولا تراجع معدلات التضخم، وهنا النتائج لا بأس بها، لكون المعدل تراجع عن مستوى 9.1 في المائة العام الماضي إلى دون 5 في المائة الآن، ولكن ذلك ربما غير كاف. هناك دراسات تشير إلى أنه تاريخيا متى ما تجاوز التضخم 5 في المائة فإن الاقتصاد يحتاج إلى 12 عاما كي تعود معدلات التضخم إلى النسبة المعقولة عند 2 في المائة. وعلى الرغم من اختلاف الظروف في كل حقبة تاريخية إلا أن الرسالة هنا أن تراجع وتيرة التضخم قد يستغرق وقتا طويلا ليتراجع بشكل كبير.
الإشارة المحبطة لجيروم باول مصدرها التماسك القوي لسوق العمل، ذلك لكون مستويات التوظيف العالية تشير إلى قوة الطلب في الاقتصاد ما يعوق عملية تراجع الأسعار، إضافة إلى أن تكلفة الأيدي العاملة في حالة ارتفاع من شهر إلى آخر على أساس سنوي، حيث نجد الأجور في نيسان (أبريل) مرتفعة 4.4 في المائة عن العام الماضي.
في المقابل، ينظر المجلس الاحتياطي إلى أزمة البنوك بشيء من التفاؤل رغم المخاوف التي أحدثتها أزمة انهيار بعض البنوك في الأسابيع الماضية، وذلك بسبب تزايد المخاوف لدى البنوك وإحجامها عن الإقراض والتوسع في الائتمان، لكون ذلك يعني خفض السيولة في الاقتصاد والحد من وتيرة التضخم. ولكن هناك مشكلة السيولة لدى الحكومة الفيدرالية التي تحتاج إلى الاقتراض الدائم من السوق، ما يعني أن الاقتراض سيكون بمعدلات فائدة عالية وهو الأمر الذي يفاقم مشكلة الدين العام التي تسعى الحكومة دوما إلى تجاوزها برفع سقف الدين الذي وصل حاليا إلى أكثر من 31 تريليون دولار.
بعد مضي أكثر من عام على مسلسل رفع معدلات الفائدة، يبدو أن النتائج على أرض الواقع ليست مشجعة بما يكفي لجعل الاحتياطي الفيدرالي يتوقف عن رفع معدلات الفائدة. قبل أسابيع قليلة كانت التوقعات تشير إلى احتمال خفض معدلات الفائدة قبل نهاية العام الحالي، لكن يبدو أن شبح التضخم لا يزال يسيطر على الموقف، ولا تزال الأزمات المصرفية واردة ولا سيما مع استمرار معدلات الفائدة عالية، ومع تماسك سوق العمل.
يتبقى لدينا الأسواق المالية التي عادة تتحرك قبل الواقع الاقتصادي بعدة أشهر، فهي حاليا تشير إلى تفاؤل كبير إن نظرنا إلى أسواق الأسهم التي تواصل ارتفاعاتها منذ بداية 2023، التي في ظاهرها تشير إلى استمرار ربحية الشركات للفترات المقبلة وعدم اكتراثها بوقوع ركود من عدمه خلال الأشهر المقبلة. الارتفاع نجده في مؤشر الشركات التقنية وكذلك في المؤشر العام لأهم 500 شركة أمريكية.

إنشرها