الأخلاقيات الجديدة في معالجة الديون «1من 4»
ناقش المجتمع أخلاقيات الديون على مر التاريخ. ففي العصور القديمة كان ينظر إلى الدين -أي الاقتراض من شخص آخر مع التعهد بالسداد- في عديد من الثقافات باعتباره إثما، وإلى الإقراض بفائدة تحديدا باعتباره أمرا بغيضا. وأدى القلق من أن يصبح المقترضون مثقلين بالديون ومستعبدين للمقرضين إلى الإعفاء من الديون على نحو روتيني. في الوقت الحاضر، يستمر تأثير بواعث القلق هذه في تصورات الإقراض وتنظيم أسواق الائتمان، ولننظر إلى تحريم الفوائد في التمويل الإسلامي، والحدود القصوى المفروضة على أسعار فائدة مقدمي قروض يوم الدفع، وهي لشركات تمنح قروضا عالية التكلفة وقصيرة الأجل. وبالمثل، فإن مؤيدي الإعفاء من الديون يلجأون إلى حد ما إلى الأخلاقيات عندما يطالبون بإعفاء المدينين المتعثرين من عبء الديون التي يتعذر الاستمرار في تحملها. زيادة تحويل الديون إلى بيانات تثير تساؤلات أخلاقية وتستدعي منهجا جديدا لتنظيم الإقراض.
وحول الإقراض "المحول إلى بيانات"، فإن العدالة، خاصة عدالة التوزيع، هي القيمة الأخلاقية الرئيسة التي يتناولها جانب كبير من هذا النقاش. فالدين يعد غير عادل، وبالتالي غير أخلاقي بسبب عدم المساواة في المعرفة والثروة والسلطة بين المقترضين والمقرضين، وهو ما يمكن للمقرضين استغلاله، بل يستغلونه بالفعل في كثير من الأحيان. وأضافت التطورات التكنولوجية الأخيرة في مجال الإقراض أبعادا جديدة إلى أخلاقيات الديون. الجدير بالذكر أن تحويل معاملات القروض الاستهلاكية إلى بيانات أدى إلى زيادة المخاوف الأخلاقية بشأن الضرر الذي يلحق بخصوصية الفرد واستقلاليته وهويته وكرامته، ويشير تحويل المعاملات إلى بيانات في هذا السياق، إلى التزايد السريع في استخدام البيانات الشخصية في صنع القرارات المتعلقة بالقروض الاستهلاكية -ولا سيما البيانات الاجتماعية والسلوكية "البديلة" مثل البيانات المتعلقة بنشاط الفرد على مواقع التواصل الاجتماعي وبيانات هاتفه المحمول- إلى جانب استخدام خوارزميات تعلم الآلة التي تعتمد على بيانات أكثر تطورا في تحليل تلك البيانات.
وتمكن هذه التقنيات المقرضين من التنبؤ بسلوك المستهلكين وتشكيل هوياتهم المالية بطرق أكثر دقة بكثير مما كان عليه الحال في الماضي. فعلى سبيل المثال، تبين أن المقترضين الذين يستخدمون أجهزة iOS، أو لديهم شبكات تواصل اجتماعي أكبر وأكثر استقرارا، أو يقضون وقتا أطول في الانتقال بين شروط المقرض المختلفة من خلال الشاشات من المرجح أن يتمتعوا بجدارة ائتمانية، وأن يسددوا ديونهم في الوقت المحدد، "بالطبع يستخدم عديد من هذه المتغيرات كبدائل المتغيرات دورة حياة الائتمان الأساسية، مثل الدخل".
وتحد هذه الممارسات من قدرة المستهلكين على تشكيل هويتهم عندما يصبحون مقيدين بصورة متزايدة ببياناتهم الذاتية أو هوياتهم الخوارزمية، وإلى جانب ذلك، فإن جمع البيانات على نطاق واسع والرقابة التي تدعم الإقراض المحول إلى بيانات يحدان من حرية المستهلكين في التصرف خشية أن تؤثر أفعالهم سلبا في جدارتهم الائتمانية. ويؤدي تحويل أنواع معينة من البيانات الشخصية إلى سلع بغرض اتخاذ قرارات الإقراض، إلى إثارة مخاوف أخلاقية بشأن الإضرار بكرامة الفرد. هل من الأخلاق استخدام المقرضين للبيانات شديدة الخصوصية المتعلقة بالصحة والعلاقات -كالتي يتم الحصول عليها من مواقع التواصل الاجتماعي- بغرض تحديد الجدارة الائتمانية للمستهلكين؟ قد يشارك المستهلكون بياناتهم طوعا في سياقات محددة ولأغراض محددة، مثل التفاعل الاجتماعي عبر الإنترنت. غير أن هذا لا يعني ضمنا موافقتهم على استخدام تلك المعلومات في سياقات جديدة ولأغراض مختلفة، ولا سيما الأغراض التجارية، مثل قياس الجدارة الائتمانية والتسويق... يتبع.