المشاريع الزراعية .. التطوير والتمويل

أصبحت قضية انعدام الأمن الغذائي أزمة تتوسع على مستوى دول العالم، وفق تقارير صدرت حديثا عن منظمات مختصة مثل البنك الدولي و"الفاو" تحدثت عن الآثار الطويلة لهذه الأزمة، موضحة أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب عوامل طبيعية وجيوسياسية سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، الذي لا يشكل مصدر قلق فوري فحسب، بل له تداعيات على مدى الأجيال. كما أكدت تلك التقارير أن انعدام الأمن الغذائي منتشر بالفعل وعلى نطاق واسع ومن المتوقع أن يزداد اتساعا، وأن الاحتياجات السنوية لتمويل التنمية للسكان الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد ستكون بمليارات الدولارات. وبسبب عوامل مختلفة مثل عدم الاستقرار السياسي وتغير المناخ وندرة المياه والتحديات الاقتصادية المستمرة، يعد الأمن الغذائي في عالم اليوم قضية ملحة على مستوى العالم.
ورغم انخفاض أسعار الغذاء عموما في الفترة الماضية، ما زالت موجة انعدام الأمن الغذائي تضرب مناطق مختلفة حول العالم. ومشكلة الغذاء العالمي ليست جديدة، وتعود لعقود خلت، إلا أنها شهدت تحسنا ملحوظا بداية الألفية الحالية، بعد أن حققت مشاريع الألفية الإنمائية التابعة للأمم المتحدة قفزات نوعية في كل القطاعات بما في ذلك تأمين الغذاء، والدفع بوتيرة الإنتاج الزراعي إلى الأمام. واستفادت مناطق شتى، ولا سيما في القارة الإفريقية من هذه البرامج، إلا أن الأمور بدأت تسير بصورة عكسية في الأعوام الماضية، من خلال التراخي الدولي في هذا المجال. ومن هنا يمكن النظر إلى تزايد قسوة الانعدام الغذائي، في وقت يمر فيه العالم بسلسلة من المشكلات المعيشية والجيوسياسية، وغياب التعاون على نطاق واسع.
وتتحرك منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، بكل ما تملك من أجل تخفيف الضغوط على الإنتاج الغذائي عموما. ولا تزال تقوم بتنفيذ مجموعة لا تنتهي من المشاريع المساندة، إلا أنها تعترف بمخاطر الارتفاع المتزايد لأعداد الذين يواجهون الانعدام الغذائي وصولوا إلى 258 مليون شخص في العام الماضي مرتفعا من 193 مليون شخص. الفارق كبير، يعني أن هؤلاء يحتاجون إلى مساعدات غذائية سريعة وطارئة للبقاء على قيد الحياة.
وهنا تبرز المشكلة الأهم التي ترتبط بالطبع بوتيرة الإنتاج الزراعي في المناطق التي يعاني سكانها شح المواد الغذائية. فبحسب سجلات "فاو"، هناك مشكلات جمة في هذا المجال، وينبغي أن تتم مواجهتها سريعا، قبل أن تتسع دائرة المحتاجين إلى الغذاء لمواصلة الحياة.
وبالطبع في مقدمة الاحتياجات اللازمة لزيادة مستوى الإنتاج الزراعي عموما، الأدوات المباشرة التي تفتقر إليها مناطق واسعة. إضافة إلى ما يمكن وصفه بالتثقيف الزراعي الذي يأخذ في الحسبان التقدم وحراك هذا القطاع الحيوي. ولأن الأمر كذلك، لا بد أن تشمل المساعدات الجانب المالي أيضا، لأن ذلك سيسرع عمليات سد الثغرات في الإنتاج الزراعي عموما. وهذه النقطة تركز عليها منظمة الأغذية بشدة.
وهنا نرى أن هذا لن يحل المشكلة تماما، لكنه يضع إنتاج الغذاء في المسار الأسرع. فمن الأسباب الأساسية المباشرة لتزايد انعدام الغذاء، المواجهات والصراعات للوصول إلى الموارد المائية. حيث هناك خلافات وصلت إلى حافة الحروب من أجل تأمين المياه في هذا البلد أو ذاك. دون أن ننسى، العامل المهم أيضا، وهو التغير المناخي وانعكاساته على البيئة الحاضنة للزراعة عموما.
في الأعوام الماضية، وحتى اليوم هناك موجات من الجفاف أضافت مزيدا من العقبات أمام مسار الإنتاج الزراعي. والمناطق التي تعاني نقص الغذاء، لا تشمل القارة الإفريقية فحسب، بل تضم أيضا دولا في أمريكا اللاتينية وآسيا، الأمر الذي يبرر تحذيرات "فاو" من مغبة نشوء نوع من أنواع المجاعة، بكل مآسيها الإنسانية ومخاطرها الاجتماعية. لكن المشكلة الأهم في عملية معالجة هذه الثغرة الإنسانية الاجتماعية العالمية، تبقى في نقص التمويل للجهات الدولية المعنية بهذا الشأن، وفي مقدمتها "فاو". ما يعني أنه يجب على الدول المانحة، أن تقدم مزيدا من الدعم المالي، لتنفيذ مشاريع هي أقرب للإنقاذ منها للتطوير الزراعي.
واللافت أن النسبة الأكبر من الذين يعانون فقدان الأمن الغذائي يعيشون في مناطق ريفية، أي: إنهم مؤهلون لمزيد من الإنتاج في هذا المجال، لكنهم يحتاجون إلى الأدوات المتطورة اللازمة لتأمين ذلك. إنها عملية متكاملة، ستحد من انعدام الأمن الغذائي، إذا ما تم توفير الأدوات اللازمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي