الاقتصاد الإسلامي ومحاربة الفقر والبطالة
تعيش أغلبية المجتمعات اليوم حالة اقتصادية سيئة، تتنامى معها ظاهرتان خطيرتان على المجتمع، وهما ظاهرتا الفقر والبطالة، حيث ينظر إليهما على أنهما مشكلتان مترابطتان، كما أنهما تعكسان الحالة العامة لاقتصاد الدولة، فالفقر كما يعرفه أهل الاقتصاد والاجتماع هو انخفاض مستوى المعيشة لشريحة من الناس، بحيث تكون غير قادرة على تأمين الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع، مثل المأكل والملبس والمشرب والتعليم والمسكن والعلاج، ويقاس الفقر لدى الشعوب بالاتفاق على الحد الأدنى من الحاجات الأساسية المبنية على حاجات الأسرة، مع أن هذه الحاجات قد تختلف من شخص إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى. والبطالة تعني عدم وجود العمل الذي يوفر للشخص حاجاته ومتطلباته، والشخص العاطل عن العمل هو الذي لا عمل لديه، كما تعد البطالة قضية جوهرية مهمة وخطيرة، لأن لها تأثيرا من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومعدلات البطالة هي مؤشر اقتصادي أساسي تشير إلى أحوال الاقتصاد في أي بلد أو مجتمع. ومن هنا فقد دأبت المجتمعات على البحث في السبل القادرة على حل هاتين المشكلتين، ومن هنا تأتي أهمية الاقتصاد الإسلامي، كونه يقدم نظريات عملية لحل المشكلتين، من خلال تشريعات تراعي البعدين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال النظر إلى المجتمع بوصفه كلا متكاملا، وكل فرد هو لبنة في بناء المجتمع، وأن أي خلل في الفرد يؤثر على الكل، ولذا فلا بد للفرد أن يكون عنصرا بناء وفاعلا. وقد شرع الإسلام على الأغنياء من المسلمين زكاة أموالهم، بحيث تدفع للفقراء والمحتاجين، وهي قدر من المال الذي يدفع سنويا، وتعد الزكاة من التشريعات الاقتصادية المهمة في النظام الإسلامي، ويمكن الإشارة إلى أن الأثر الاقتصادي المباشر للزكاة في حل مشكلة الفقر يتمثل في تحريك الطاقات البشرية المعطلة في المجتمع من خلال دعم وتشجيع وتنمية القدرات الذهنية والمهنية لتلك الطاقات وتحويلها إلى طاقات فاعلة منتجة في مجتمعها، إذ إن موارد الزكاة لا تتجه فقط نحو تلبية المتطلبات الاستهلاكية للأفراد الذين يشملهم وصف الفقراء، وإنما الأصل الذي يتناسب مع المقاصد الكبرى للتشريع هو تنمية المهارات والقدرات للفقراء، بما يشعرهم بمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم ويقضي فيهم على الروح الاتكالية ويساعد على استنهاض طاقاتهم وقدراتهم الإنتاجية وتوجيهها واستثمارها، بما يحقق النفع لهم على المستوى الشخصي، ولمجتمعهم، ويسعى نظام الزكاة كذلك إلى عدم جعل هذا المال نوعا من العطايا والهبات التي تقدم للناس على شكل مساعدات، بل تسعى إلى تشجيع الفقراء للاندماج في المجتمع، ويكفل لهم المستوى اللائق من المعيشة، كما أنها تسهم في معالجة الأسباب المؤدية إلى الفقر والناتجة في الأساس عن تعطل الطاقات الذهنية أوالمهنية للفقراء، أو عدم قدرتهم عل استعمال طاقاتهم واستغلالها بشكل صحيح، مما يجعلهم غير قادرين على الإسهام في بناء المجتمع وبالتالي يحرمون من ثمرة ذلك البناء. وقد حرص النظام الإسلامي على أن يكون أفراد المجتمع عاملين وفاعلين، فالفرد يجب أن يعمل ما دام قادرًا على العمل، وفي المقابل فعلى الدولة أن تهيئ له ذلك، فضلاً عن أن الإسلام يتيح مصادر متعددة توفر له الحصيلة اللازمة للقضاء على البطالة، ولا يقبل للفرد القادر على العمل أن يتكاسل عن ذلك؛ لأن العمل هو أساس اكتساب الرزق، والإسلام يطالب أفراد الأمة كلهم أن يسيروا في مناكب الأرض لالتماس الرزق منها، فقال تعالى:" هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، ويطالب الجميع بأن ينتشروا في أرجاء الأرض زراعاً وصناعاً وتجاراً وعاملين في شتى الميادين، ومحترفين بشتى الحرف، مستغلين كل الطاقات المتاحة، وعليهم أن ينتفعوا بكل ما استطاعوا مما سخَّر الله لهم في السموات والأرض جميعاً. ومع الأهمية الكبيرة للزكاة في التكافل الاقتصادي ومحاربة الفقر والبطالة، إلا أن ذلك ليس كافيا في التطورات الحديثة للمجتمعات، وفي زمن التطورات المالية والمعاملات الإنسانية المبنية عليها، ولذا فلا بد للاقتصاد الإسلامي من اجتراح الحلول الاقتصادية التي تساعد أفراد المجتمع على تخطي المشكلات التي تواجههم، بحيث يتم تقديم المساعدات المالية القائمة على المشاركة في إقامة المشاريع التي توفر دخلا مناسبا للإنسان، إذ يمكن لكثير من الفقراء أن يستفيدوا مباشرة من الحصول على قروض التمويل الإسلامي للمشاريع الصغيرة، التي تعد من أهم الوسائل التي تمكنهم من التغلب على الفقر، من خلال توفير فرص العمل المناسبة، ولذا فإن كثيرا من المراقبين والمهتمين يرون أن على المصارف الإسلامية أن تتوجه نحو المقاصد الكلية للاقتصاد الإسلامي، والخروج من فكرة القروض والتسهيلات المالية، إلى النظر نحو تطوير الحالة المالية للأفراد والمجتمع، من خلال توفير قروض المشاريع، وتطويره ودعمه بمنتجات إسلامية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتتلاءم مع احتياجات عملاء القروض والمشاريع الصغيرة، إذ إن هذه القروض ليست مجرد مبالغ تستعمل لتمويل مشاريع هنا وهناك، بل من المفترض أن ترتكز إلى نظرة شمولية وأفكار إبداعية للخروج من دائرتي الفقر والبطالة. إن النظام الاقتصادي الإسلامي يعتمد على الأحكام الشرعية، ولا ينظر إلى الربح المادي فقط، بل يركز على الأخلاق والقيم، كما أنه أيضا يسعى لتقديم برامج اقتصادية ليرقى بالمجتمع ويخلصه من الفقر والتعطل عن العمل، وقد كانت التجارة في التاريخ السابق في العصور الإسلامية تلعب دورا مكملا لانتشار الإسلام، لذا فإن الإسلام يتطلع نحو الاستثمار والنماء للمجتمع، بل يجعل اكتساب الرزق فرضا على كل قادر، ومن هنا يصبح من الضروري تطوير منتجات إسلامية متوافقة مع أحكام الشريعة كي تلبي احتياجات طالبي القروض لإقامة المشروعات الصغيرة والكبيرة، وتمكنهم من خلق فرص عمل لهم ولغيرهم، ومن ثم تحسين مستوى معيشتهم، والحد من الفقر والبطالة، خاصة في صفوف الشباب، وتساعدهم على الاعتماد على الذات من خلال العمليات المصرفية، وتقديم القروض والتسهيلات والخدمات للفقراء، وطالبي العمل.