Author

كبار القوم

|

ينتشر التنافس في رعاية كبار السن في كل دول العالم، حتى المسميات التي تعتمدها هذه الدول تدل على ذلك الاهتمام. فمنهم من يسميهم كبار المواطنين ومنهم من يطلق عليهم الأوائل، وعندنا يقال جيل الطيبين، مع أن ذلك غير مربوط بالأشخاص وإنما بالأحداث. لعل من نافلة القول أن نذكر أن الناس يميلون إلى التغني بالماضي وشخوصه وأحداثه، حتى إن كان فيه كم من الحاجة والتطلب الذي يستوجبه حال الزمان وأهله.
تسمية جيل الطيبين عندنا جاءت من مصادر مهمة منها التاريخي بلا شك، لكن الوضع الاجتماعي هو المسير الأكبر لتلك النظرة المشتاقة إلى الأمس. يعيش المجتمع اليوم عزلة غير مسبوقة، بل إن الأسرة الصغيرة تعيش تلك العزلة بما سببه دخول التقنية السافر في حياة الجميع. هذه العزلة تؤدي إلى فقد جزء مهم من التعامل الشخصي بين الجميع ويفقد الآباء والأمهات فرصة بناء الشخصية المميزة لأسرهم.
كانت الأسرة الممتدة هي مركز المجتمع وكان يسكن البيت عدد لا يقل في كثير من الأحيان عن 20 شخصا ينتمون في الأغلب إلى الجد والجدة وقد يكون البيت شاملا لأكبر وأعلى من ذلك الترتيب الأسري. في تلك البيوت وجدت علاقات وتعاملات وروحانية نفتقدها اليوم. هناك كثير مما يمكن قوله عند مقارنة الفترات المجتمعية في هذه البلاد وغيرها ، لكنه ليس هدف مقالي هذا.
أشكو في هذا المقال حالا غريبة لا يمكن أن يتقبلها أي مسؤول أو حتى أي عضو في المجتمع. فمع النمو الملاحظ في الخدمات الصحية وارتفاع العمر الافتراضي للسكان واستمرار كثير من كبار القوم في النشاط ، ومع استقلال الأبناء والبنات والعزلة التي تحدثنا عنها هنا، نجد أنفسنا أمام مجموعة من كبار السن الذين يعتمدون على أنفسهم في تلبية جميع احتياجاتهم الشخصية.
كبير السن يقود السيارة ويذهب إلى المحال التجارية ويراجع كل أعماله بنفسه ويسافر مفردا أو مع زوجته، هذا التغيير الذي لم يكن جزءا من الثقافة لم يقابله تفاعل حقيقي من قبل الجهات المنظمة للتعاملات في السوق والخدمات. نسمع باستمرار عن صدور لائحة تحمي حقوق كبار السن بل تعطيهم المكان المميز الذي يستحقونه بعد كفاح ومشاركة في بناء الوطن.
أن ترفض بعض البنوك منح كبير السن بطاقة ائتمانية أو ترفع سعر التأمين عليه أو ترفضه شركة تأجير السيارات بسبب كبر عمره، مع أنهم من أقل الفئات ارتكابا للمخالفات، فإنني أقترح أن هذا الأمر يستوجب التفكير فيه وفق الأنظمة المتاحة وأن يكون الأمر لينا في بعض الجوانب.

إنشرها