Author

المنتجات الخضراء تنمو

|

مع تطور حركة التجارة وتنميتها وتطويرها لتكون داعمة للتنمية المستدامة، تأتي المطالب بضرورة وجود اهتمام عالمي متزايد بقضية التجارة الخضراء، نتيجة التحديات الراهنة التي يمر بها العالم، خاصة قضية تغير المناخ التي فرضت نفسها على الواقع العالمي، حيث بدأ الاتجاه إلى إعادة التفكير في شبكات الإنتاج والاستهلاك واستدامة سلاسل التوريد، وهو ما أفرز الحاجة إلى تحديد الطرق العملية التي يمكن أن تدعم بها التجارة الانتقال إلى اقتصاد عالمي أكثر اخضرارا. ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الدور الذي تلعبه التجارة الخضراء في إيجاد وظائف، وتوفير الغذاء، والحد من الفقر، أو بمعنى آخر تحقيق التنمية المستدامة.
وأشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP الذي يعرف التجارة الخضراء على أنها النشاط التسويقي الذي يعمل على تعزيز الإجراءات المستدامة للانخراط في التجارة غير الملوثة للبيئة. وتشير البيانات إلى أنه في 2019، بلغت قيمة التجارة الخضراء نحو 1.3 تريليون دولار في الولايات المتحدة فقط. كما أنها أوجدت نحو 9.5 مليون وظيفة بدوام كامل، وأوضح صندوق النقد الدولي أنه يمكن للصين زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.7 في المائة وصنع نحو 12 مليون وظيفة بحلول 2027 في حالة قيام الصين بالاستثمار الأخضر وتطبيق ضرائب الكربون.
وفيما يتعلق بالتجارة، ذكرت البيانات أنها لا تخلو أيضا من التحديات البيئية، فيمكن أن تزيد الانبعاثات الناتجة عن وسائل النقل الدولي للبضائع بنسبة تصل إلى 160 في المائة بحلول 2050، في حالة عدم اتخاذ أي إجراء، وتواجه الشركات عديدا من التحديات في هذا الصدد، حيث يمكن أن تقوم الشركات بنقل إنتاجها إلى أماكن أخرى ذات معايير أقل. كما أن السفن والطائرات والشاحنات التي تقوم بنقل البضائع في جميع أنحاء العالم تسهم في تحقيق مستويات عالية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. والجدير بالذكر أن هناك مجموعة من السلع التي يتم تداولها دوليا، مثل القمح والذرة والحديد والصلب والأسمنت.
ويؤكد تقرير التجارة العالمية أن العوامل التي ساعدت على نمو التجارة قد شملت حل المشكلات اللوجستية بصورة كبيرة وزيادة سعة الشحن العالمية وتراجع تكاليف الشحن، حيث عاد مؤشر معدل شحن الحاويات في شنغهاي إلى مستويات ما قبل الوباء، وزاد مؤشر مديري المشتريات في الصين بأكثر من خمس نقاط مئوية منذ كانون الأول (ديسمبر) 2022، ما يشير إلى نشاط التصنيع والخدمات القوي.
هذه العودة أتت مع تنامي الطلب العالمي، ما دعم التجارة العالمية خلال 2022 لتبلغ 32 تريليون دولار، وبلغ حجم تجارة السلع 25 تريليون دولار، فيما بلغ حجم تجارة الخدمات سبعة تريليونات دولار، من الجدير بالملاحظة أن الخط البياني للتجارة في السلع والخدمات، شهد تقلبات حادة خلال العام، فبينما بدأ النمو ضعيفا في كلا القطاعين فإنه تراجع بسرعة حتى بلغ التراجع أقصاه عند الربع الثاني مع وصول تراجع النمو في الخدمات إلى سالب 17 في المائة، وفي السلع إلى سالب 15 في المائة، قبل أن يعود إلى الارتفاع بشكل حاد جدا نحو منتصف العام، حيث بلغ نمو الخدمات 19 في المائة، بينما بلغ نمو التجارة في السلع 8 في المائة، لكن رغم هذه القفزة الحادة فقد عاد التراجع ليكون سيد الموقف حتى نهاية العام ويفقد النمو كل زخمه في كلا القطاعين، ليصل إلى نسب متقاربة عند 1 و3 في المائة مع نهاية العام، وهذه التقلبات الحادة ترسم كثيرا من عدم اليقين بشأن حالة التجارة العالمية في العام الحالي، حيث أثر الانكماش التجاري العالمي في الربع الأخير من 2022 في الدول النامية بشكل أكبر وانخفضت وارداتها وصادراتها بنسبة 6 في المائة مقارنة بالربع السابق بينما تراجعت الصادرات من اقتصادات شرق آسيا بنسبة 7 في المائة.
وكما أشرنا فإن التقلبات أتت نتيجة عوامل إيجابية وسلبية معا، لكن من الواضح أن التأثيرات السلبية كانت أكثر قوة وظهرت بوضوح مع ارتفاع أسعار الفائدة بمستويات قياسية وبسرعة عالية منذ آذار (مارس) 2022، حيث بدأت التجارة العالمية في الركود وتأثرت قطاعات الخدمات والسلع مباشرة عند الربع الثاني، قبل أن تستعيد نموها لكن الأثر استمر في الاتجاه السالب لكل التجارة العالمية حتى نهاية العام.
إن ارتفاع أسعار الطاقة والأغذية والمعادن، إضافة إلى "التوترات الجيوسياسية، التي شملت الصراع بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا، الذي قاد الصادرات الروسية إلى أكبر تراجع بين الدول الكبرى خلال الربع الأخير من 2022، كل هذه العوامل مجتمعة نراها أضرت بالتوقعات بالنسبة إلى التجارة، التي قد تستمر في تعتيم الصورة العامة للتجارة العالمية، خاصة أن أكثر الدول الأقل نموا والدول منخفضة الدخل، إما معرضة لمخاطر عالية وإما تعاني بالفعل ضائقة ديون، وقد صدر تحذير صريح في هذا الجانب بأن "المستويات القياسية الحالية للديون العالمية، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة، ستستمر في التأثير سلبا في ظروف الاقتصاد الكلي في عديد من الدول.
أمام هذه الصورة السلبية العامة، نلاحظ بعض الإشارات الإيجابية التي أظهرتها تجارة المنتجات الخضراء وتعد من الجوانب الإيجابية والأخبار السارة لكوكب الأرض، حيث بلغ نمو المنتجات الخضراء بنسبة 4 في المائة خلال النصف الثاني من 2022 لتصل إلى 1.9 تريليون دولار، لكن الأخبار الجيدة ليست في النمو فقط بل في الاتجاه الصاعد المستمر لهذا النمو. فبينما شهدت التجارة العالمي تقلبات حادة كما أشرنا، ورغم الاتجاه السالب الذي عم جميع السلع بما يقود لتوقعات بالركود للعام الحالي، فإن السلع الخضراء كانت تسير عكس التيار تماما، حيث يتجه النمو صعودا دون تقلبات. ومن اللافت والمبشر أن هذه النتائج تأتي بعد أيام فقط من إصدار الأمم المتحدة "تحذيرا أخيرا"، من ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يدفع الكوكب إلى حافة تغيير لا رجعة فيه، وأمام هذ التحذير فإن تقرير "أونكتاد" يذهب بعيدا مع توقعات بأن تزدهر الصناعات الخضراء وأن تصبح أنماط التجارة الدولية أكثر ارتباطا بالتحول نحو اقتصاد عالمي أكثر اخضرارا. ومع بعض العوامل الإيجابية مثل احتمالات تجنب الركود في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وضعف الدولار، الذي انخفض بنسبة 7 في المائة تقريبا بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 وشباط (فبراير) 2023 بما سيؤدي إلى زيادة الطلب على السلع المتداولة.
وأخيرا فمن الضروري أن تصبح التجارة الدولية أكثر استدامة وتسهم في حماية الطبيعة "رأس مال" الاقتصادات في العالم النامي. كما يمكن تحديد المجالات التي يمكن أن يدعمها العمل العام والخاص في الدول النامية في جهودها للوصول إلى الأسواق الدولية الصديقة للبيئة.

إنشرها