دار العام واستدار
كل عام وأنتم بخير، دار العام واستدار وعاد شهر الخير رمضان بوعود المثوبة الربانية، وآمال الراحة الروحية، وأمنيات إراحة الأجساد.
لم يعد في الإمكان إعادة توجيه النصائح حول كثير من الأمور، ليس زهدا في أجر النصح ومثوبته، لكن قناعة أن الناس اليوم تعرف كثيرا مما ستقوله لهم صحيا ووجدانيا، وربما تعرف أكثر منك.
إحدى سلبيات تدفق المعلومات هي جعل كثير مما تود قوله مكررا، حتى إن كان تكراره من غيرك يشوبه بعض التشويه أو المبالغة أو النقص، لكن المعلومة موجودة، وأحسب أن قليلين جدا من الناس حد الندرة، لم يتعرضوا لمادة إعلامية أو اتصالية أو حتى مشافهة تخبره عن ترشيد المشتريات، والبعد عن المعجنات المقلية، وتجنب الأغذية التي تسبب العطش كمثال على المحتوى الصحي المتداول.
نادرا من هو اليوم لم يقرأ أو يشاهد أو يسمع عبر جميع القنوات الصحافية أو الرقمية أو الاجتماعية كل ما يتعلق بالشهر الفضيل، وهذا من أسباب تبلد كثيرين تجاه المعلومة، بل ذهب بالبعض إلى الأخذ بضدها ومعاندتها كونها أصابته بالملل أو لأن مخالفة العرف والسائد وتصغير ما هو كبير عند الناس بات من مسببات الشهرة.
التدفق المعلوماتي حول الصحة والغذاء والاقتصاد والإنفاق يتم فيه تمرير بعض الأفكار، وتسويق بعض الأشخاص، ويحدث أن يعرف الناس مع الوقت ذلك ويكتشفوه بعد أن تبح أصوات بعض المختصين الناصحين.
المشكلة الأعمق هي تمرير أشياء تتعلق بالدين والفطرة السوية، أو تتماس مع روحانية الشهر الذي يتجاوز العمل فيه الامتناع عن الأكل والشرب وغيرها في النهار، بعبارة أخرى محاولة كسر الهيبة الزمانية لهذا الشهر، وهي محاولة لا أجد لها أي مبرر منطقي على مستوى التفكير، أو اقتصادي على مستوى التنمية، هي فقط استماتة لإثارة اللغط والحصول على ضوء غير مستحق من خلال أفكار يمكنني تسميتها بالظلامية، فالظلامية سمة المتطرف يسارا كان أو يمينا.
لعلها سانحة أن نقلل من التلقي والتدفق، نلجمه قليلا كما نلجم شهواتنا في هذا الشهر الفضيل، لعل في ذلك راحة أخرى للعقل من الامتعاض الذي يصيبه من بعض البلهاء والسفاء، ولعل فيه تنعما أكثر بنعم الله في بلاد آمنة مؤمنة نعرف رمضان فيها يتميز عن أماكن كثيرة حول العالم.
دار العام واستدار، يسرع أكثر عاما بعد عام، يقلبنا بين الأفراح والأتراح، نسعد بمن بقوا، وندمع على من رحلوا، رحمهم الله وأسكنهم جنات النعيم.
الشهر عليكم مبارك.