هل نحن مقدمون على أزمة مالية جديدة؟ «1 من 3»

كان ثاني أكبر فشل مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة ـ والأكبر منذ أزمة 2008 ـ سببا في التشكيك في استقرار النظام المالي الأمريكي بأكمله. وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين الوضع الحالي وبداية الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاما، فإن الأمر لا يخلو أيضا من أوجه تشابه مثيرة للقلق. في مناقشة هذه المسألة الخطيرة، نرصد في هذا المقال التنبؤ بما ينتظر النظام المالي الأمريكي ـ والعالمي ـ في المستقبل.
ويبدو فشل بنك سيليكون فالي، والعدوى الهائلة التي أشعل شرارتها، أشبه بتهافت كلاسيكي على البنوك من قـبل المودعين لاسترداد ودائعهم. إنه نمط كان شائعا في القرن الـ19 وأثناء الكساد العظيم، لكنه كان نادر الحدوث خلال الفترة من 1933 إلى 2007، عندما عاد التهديد إلى الظهور. كما تبدو استجابة وزارة الخزانة الأمريكية وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ـ الذي طبق مبدأ رجل الاقتصاد البريطاني والتر باجوت من القرن الـ19، الذي رأى أن وقف حالة الذعر يتطلب وجود مـقرض الملاذ الأخير ـ مألوفة إلى حد كبير.
لكن الأمر ينطوي على عنصرين مستجدين هذه المرة، وكلاهما موروث من الأزمة المالية العالمية الأخيرة. أولا، في 2008، كان القلق بشأن احتمال الانهيار شديدا إلى الحد الذي أصبح معه من الممكن تجاهل أحد العناصر الحاسمة في منطق باجوت ـ وهو أن البنوك القادرة على السداد "لكنها تفتقر إلى السيولة" فقط هي التي يجب أن تكون موضوع عمليات الإنقاذ من جانب مـقرض الملاذ الأخير. على نحو مماثل، في حالة بنك سيليكون فالي، سيخسر حاملو السندات ومالكو الأسهم أصولهم، لكن جميع المودعين "المؤمن عليهم وغير المؤمن عليهم" سيعوضون بشكل كامل. وإلا فإن خطر انتشار العدوى سيكون أكبر مما ينبغي، إذا سمح بانهيار أي بنك متوسط الحجم، فسيسارع المودعون كافة إلى نقل ودائعهم إلى البنوك الكبرى، وسيغذي هذا بالتالي تـركـز السوق. وعلى هذا فقد ضمنت الولايات المتحدة فعليا نظامها المصرفي بالكامل. لكنها أيضا أهدرت مبدأ التأمين وعمليات مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، بل وربما أهدرت أيضا ـ كما يقترح كثيرون من منتقدي استجابتها ـ مبدأ المسؤولية الذي يقع في قلب النظام الرأسمالي.
يتمثل وجه التشابه الثاني مع أزمة 2008 في أن الدول كبيرة الحجم مثل الولايات المتحدة والصين قادرة على دعم أنظمتها المصرفية، في حين تعجز عن ذلك الدول الصغيرة ـ خاصة تلك التي تدير أنظمة مصرفية بالغة الضخامة وشديدة التعرض على المستوى الدولي. أدركت آيسلندا وأيرلندا هذه الحقيقة بعد نـصـب وآلام في 2008. أما سويسرا ـ التي بلغت أصول بنوكها الكبرى عـدة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي في ذلك الوقت ـ فقد أفلتت بأعجوبة. الآن، بات لزاما عليها أن تتعامل بجدية مع احتمال فشل بنك يعادل إجمالي أصوله ومطلوباته الناتج المحلي الإجمالي السويسري تقريبا. هل من الممكن إدارة مثل هذه الأزمة بنجاح؟
ستكون العواقب المترتبة على صدمة بنك سيليكون فالي مضاعفة. أولا، سيكون إنقاذ البنوك سببا للانقسام والخلاف، كما حدث في 2008، وقد يشعل شرارة ردة فـعل عنيفة ضد كل من النظام المالي والحكومة التي فرضت عبء عمليات الإنقاذ على دافعي الضرائب ـ وقد يبث هذا حياة جديدة في جسد الشعبوية على طريقة ترمب. ثانيا، في دول أخرى، ستتنامى الشكوك وحالة الاستياء إزاء الطريقة التي تدير بها الولايات المتحدة عملية إنقاذ نظامها المالي، وقد يؤدي هذا إلى تأجيج المشاعر الـمـعادية لأمريكا في اللحظة ذاتها، حيث تضطلع الولايات المتحدة بدور بالغ الأهمية في الدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد في أوكرانيا.. يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي