Author

وكالات التصنيف .. المصداقية والانتقادات

|

جميع وكالات التصنيف العالمية الثلاث المعروفة، فيتش وموديز وستاندرد آند بورز، تصنف السعودية بتقييمات ائتمانية عالية، حيث رفعت هذا الأسبوع وكالة ستاندرد آند بورز تصنيفها الائتماني للمملكة إلى درجة A-/A-1 مع نظرة مستقبلية مستقرة، وذلك على خلفية الإصلاحات والتحسينات الهيكلية وحسن إدارة المالية العامة، والمستوى المتوازن للدين العام. وبالمثل عدلت وكالة موديز النظرة المستقبلية للمملكة من مستقرة إلى إيجابية، وأكدت تصنيفها عند A1.
لا لبس حول جودة الأوضاع الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، ودول خليجية أخرى، وهذه التصنيفات مستحقة ومتفق عليها من قبل جميع الوكالات، هذا فيما يخص التصنيفات الائتمانية السيادية. لكن معظم أعمال وكالات التصنيف وأصعبها يأتي في تقييماتها للأوضاع الائتمانية للشركات والبنوك، التي هي كثيرة بطبيعة الحال ولديها سندات وأدوات دين متنوعة ومعقدة.
الملاحظ أن حدة الانتقادات الموجهة ضد وكالات التصنيف الائتماني تتزايد عقب كل أزمة مالية، وتثار شكوك حول نزاهة هذه الوكالات من جهة، وحول نماذج العمل المتبعة من قبلها، وكذلك حول مدى جودة المعايير المتبعة من قبلها وسرعة استجابتها للأحداث والتطورات.
بلغت الانتقادات حدتها أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008، وذلك بسبب عدم قيام أي من وكالات التصنيف الائتماني بالتحذير الاستباقي من المخاطر الائتمانية التي كانت تتعرض لها المؤسسات المالية نتيجة استثماراتها المفرطة والمتهورة في المشتقات المالية وسندات الرهن العقاري وعقود المبادلات المتعلقة بهذه الوسائل. وعلى أثر هذه الأحداث طالبت الجهات التشريعية حول العالم بضرورة معالجة أوضاع هذه الوكالات وتغيير نماذج العمل المتبعة من قبلها.
وعلى الرغم من ذلك لا تزال وكالات التصنيف تعمل بالطريقة ذاتها التي كانت تعمل بها قبل 2008، ولم تتغير معالم الساحة التنافسية في هذا المجال، فلا تزال الوكالات الثلاث تسيطر على نحو 95 في المائة من سوق التصنيفات الائتمانية، ولا يزال المستثمرون والمتابعون في كل مكان يعتمدون على تلك التصنيفات.
وكالات التصنيف تتبع أسسا معينة ومعايير محددة لتقييم درجات المخاطرة في الجهات التي تقوم بدراستها، ومن ثم تقوم بتعديل النظرة المستقبلية ولاحقا تقوم بخفض التصنيف أو رفعه حسبما يستجد من تطورات لدى الجهة. في مثل حالة بنك وادي السيليكون، كانت وكالة التصنيف على علم بتدهور أوضاع السندات المستثمر بها من قبل البنك، وكانت جميع الوكالات قد حذرت من مخاطر ارتفاع معدلات الفائدة ليس فقط على بنك وادي السيليكون بل على جهات أخرى كثيرة، لكن الإشكالية تأتي في مسألة تقدير مدى مسؤولية وكالة التصنيف في ذلك.
هل من المفترض أن تكون هناك معايير يمكن استخدامها للتنبؤ بوقوع تلك التعثرات بوقت كاف قبل وقوعها؟ هذا من المحال بالطبع، لكن من الممكن أن تقوم الوكالات بسرعة تغيير النظرة المستقبلية ووضع الجهة تحت المراقبة. الحقيقة أن القيام بمثل هذه الإجراءات تم في الماضي إلا أنها لاقت تذمرا وامتعاضا من قبل الجهات الواقعة تحت التقييم وكذلك من قبل المستثمرين. وسبب تذمر الجهات أن نتائج التصنيفات الائتمانية حساسة للغاية لكون تكلفة التمويل تعتمد عليها بشكل كبير، وأي بلبلة حول ذلك سيوقع الجهة في تحديات تمويلية شائكة.
المستثمرون كذلك لا يرغبون في إطلاق تحذيرات مستعجلة قبل أوانها، لكون ذلك يؤثر سلبا وسريعا في أسعار سندات الجهة وأسهمها، لذا تجد وكالات التصنيف أنفسها في مواقف لا تحسد عليها. ولا ننسى ما قامت به وكالة S&P في 2011 حين خفضت التصنيف الائتماني لحكومة الولايات المتحدة من أعلى درجة AAA إلى AA+، حيث وقتها كانت المرة الأولى التي يتم فيها تخفيض المكانة الائتمانية للحكومة الفيدرالية. وعلى الرغم من صحة الإجراء الذي قامت به الوكالة في ذاك الوقت، لكونها جاءت عقب موافقة الكونجرس على رفع سقف الدين الأمريكي وما يعنيه ذلك من رفع احتمالية عدم مقدرة الحكومة على سداد التزاماتها المالية، إلا أن الوكالة تعرضت لانتقادات حادة من قبل عدة أطراف حكومية وغير حكومية.
الخلاصة إنه من غير الممكن إيجاد طريقة تضمن التنبؤ بوقوع الأزمات، وإن دور وكالات التصنيف سيبقى محل انتقاد وستستمر المطالبات بإصلاحه. لا ننسى كذلك أن هناك جيوشا من المحللين الماليين والمراجعين، ممن هم أكفأ في قدراتهم على دراسة أوضاع الشركات وأسرع في اتخاذ القرارات وإيصالها إلى المعنيين، وعلى الرغم من ذلك نجد أن هؤلاء بالمجمل فشلوا في اكتشاف معظم الأزمات المالية السابقة، سواء على مستوى جهة بعينها أو على مستوى القطاع ككل.
وعلى الرغم من ذلك، هناك مجال لإصلاح أوضاع وكالات التصنيف، منها أهمية رفع مستوى المنافسة في المجال، وإعادة النظر في مسألة تضارب المصالح، وذلك لكون مصدر دخل وكالات التصنيف يأتي من الجهات التي يتم تقييمها من قبل الوكالات أنفسها، من ناحية أخرى ربما هناك مجال لوضع معايير إضافية لقياس درجات المخاطر الائتمانية، وإيجاد الطريقة المناسبة لإيصال النتائج للمتلقين بشتى فئاتهم دون إرباك أو شوشرة مبكرة. كذلك ربما هناك إمكانية لتوحيد المعايير التي تستخدمها الوكالات، حيث حاليا ليس هناك فقط اختلاف في مسميات درجات التصنيف، بل في المنهجية والمعايير المتبعة من قبل كل وكالة، وذلك يفسر سبب تفاوت درجات التصنيف وأوقات إعلانها.

إنشرها