صناعة الكهرباء والأسعار السالبة

ما رأيك أن يدفع مقدم الخدمة الكهربائية مبلغا ماديا للمشتركين مقابل أن يستهلكوا الكهرباء مجانا؟ إن هذه الظاهرة تسمى بالأسعار والتسعير السالبي، حيث تحدث عندما ينخفض الطلب على منتج ما أو يزداد العرض إلى حد أن المالكين أو الموردين على استعداد لدفع مبلغ من المال إلى الآخرين لإغرائهم بقبوله مجانا، ما يؤدي في الواقع إلى تحديد السعر على رقم سالبي.
في صناعة الكهرباء، تحدث الأسعار السالبة عندما يكون العرض أكبر من الطلب، ولا يستطيع مشغل النظام أو النقل عمل شيء لضبط التوازن بين العرض والطلب. وتحدث في الأغلب عندما تتكالب المولدات، مثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية على أسطح المنازل ومولدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في إرسال طاقاتها بلا هوادة إلى الشبكة الكهربائية، مع تدني الطلب العام.
وعندما يكون لدى موردي الكهرباء فائض في إمدادات الكهرباء، فإنهم سيدفعون المال للمشتركين لقاء استهلاك الكهرباء، وبالتالي يحصل المستهلكون على الكهرباء بالمجان، وكذلك على عائد مالي من مقدم الخدمة. وهذا في حقيقة الأمر عكس ما هو متعارف عليه بأن تكون الأسعار والتسعير موجبة، وأن يقوم المستهلك بدفع فاتورة استهلاكه إلى مقدم الخدمة.
لقد لوحظ في دول عديدة أن أسعار الكهرباء قد تراجعت بشكل متكرر خلال الأعوام العشرة الماضية في أسواق الكهرباء، الأمر الذي حدا بمنتجي الكهرباء أن يدفعوا أموالا للمشتركين لاستهلاك الكهرباء خلال تلك الفترات الزمنية أو ما مجموعه 97 ساعة بين 2012 و2013، بمتوسط سعر سالبي بلغ 41 ألف يورو لكل ميجاواط/ساعة. وفي 2014، حدثت أسعار سالبة عديدة خلال ساعات النهار في عدة أسواق كهرباء عالمية نتيجة فائض الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بصورة أساسية. من جانب آخر، فقد تسببت جائحة كورونا في إحداث فوضى في أسواق الطاقة، ما أدى إلى انخفاض سعر النفط الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر مع إغلاق الاقتصاد وتراجع الطلب في نيسان (أبريل) 2020.
وكانت النتيجة أن أحد المرافق البريطانية دفعت مبالغ مادية إلى بعض مستهلكيها السكنيين مقابل استخدام الكهرباء لتوصيل الأجهزة وتشغيلها بكامل طاقتها. وعادة ما تظهر أسعار الكهرباء السالبة في أسواق الكهرباء عندما يتم الدفع إلى كبار المستهلكين مثل المصانع ومحطات معالجة المياه لاستهلاك مزيد من الطاقة الفائضة. ومع أن أسعار الكهرباء السالبة نادرة الحدوث، لكنها أصبحت شبه روتينية في بريطانيا وألمانيا ودول أوروبية أخرى خلال جائحة كورونا.
وتنتج أسعار الكهرباء السالبة بسبب عدم مرونة شبكات الكهرباء عموما، لأن نقص درجة المرونة يثقل كاهل المستهلكين في شكل زيادة الرسوم الإضافية للطاقة المتجددة. وخلال فترات زيادة إنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية، تخفض محطات الكهربائية الأحفورية إنتاجها جزئيا، وقد ينتج عنه فائض في الكهرباء بسبب عدم القدرة على كبح جماح الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة. ولقد أشير في تقارير لاحقة إلى أن مرونة الشبكات الكهربائية من شأنها أن تزيل العقبات الحالية وتقلل عدد الساعات مع أسعار الكهرباء السالبة، وهذا يفيد النظام الكهربائي بأكمله في إضفاء مرونة على العرض والطلب.
ولأن أنظمة تخزين الطاقة لا تزال تحبو في صناعة الكهرباء بسبب تكلفتها العالية، وأحيانا ضعف الربط مع دول الجوار، إضافة إلى سوء إدارة وتنسيق مشغل النظام، فمن المتوقع أن نرى أسعار الكهرباء السالبة تتكرر في بعض أسواق الكهرباء العالمية.
ختاما، فقد يتساءل البعض عن إمكانية حدوث أسعار الكهرباء السالبة لدينا في المملكة، ونرى أنها مستحيلة الحدوث إلا إذا وصلنا إلى سوق كهرباء تنافسية ووفر عال من مصادر الطاقة المتجددة وظروف قاهرة، كما يحدث في بعض أسواق الكهرباء العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي