Author

حديث الصراحة لسوق آمنة

|

اتسم الحوار الصريح والمهم الذي أجراه الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، مع "إنيرجي إنتلجينس" بالشفافية والوضوح، خاصة أنه تناول موضوعات وقضايا مهمة وحساسة، تركز الحديث فيه عن مؤشرات الأسواق العالمية للبترول ومستقبل تطورها وعلاقة ذلك بنمو الاقتصاد العالمي، وكما هي الحال دوما فإن ما يشغل الرأي العام العالمي هو متى ستقوم دول "أوبك +" بزيادة الإنتاج؟ وهنا كانت عبارات وزير الطاقة واضحة وقاطعة، وشدد على أن "أوبك +" ملتزمة بالقرار الذي صدر في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا حتى نهاية 2023.
كما كان وزير الطاقة صريحا في إجاباته بشكل واضح، بشأن لماذا تم اتخاذ القرار ومتى سيتم تغييره؟ فالمسألة ليست رغبات شخصية أو ضغوطا سياسية من أي نوع، فالأمر كله يتعلق بحالة الاقتصاد العالمي، وقد أكدت السعودية أكثر من مرة أن رفع سقف الإنتاج أو تخفيضه ليس له علاقة بالأوضاع السياسية الدولية، إلا بقدر انعكاس هذه الأوضاع على نمو الاقتصاد العالمي، ومارست الرياض لأعوام طويلة دور المرجح للسوق من خلال تعويض النقص أو خفض إنتاجها في مقابل توازن الأسعار والحفاظ على استقرار الأسواق، لكن ذلك لم يكن مجديا ولا مستداما، حتى تم التوصل إلى اتفاق "أوبك +"، وجاء هذا الاتفاق في وقت كانت فيه اقتصادات عديد من الدول في وضع مناسب، والنمو العالمي في أفضل حالاته، بينما كانت أسعار النفط تهوي لعدم وجود حوكمة للعرض، خاصة مع كبار المنتجين من خارج "أوبك"، ما جعل وجود "أوبك +" ضرورة اقتصادية بحتة لحوكمة السوق، وهذا ما نتج عنه عودة الأسعار إلى الاستقرار والتوازن المناسب لجميع الأطراف وعلى رأسها كبار المستهلكين سواء الصين أو الولايات المتحدة.
وهنا مضت الأمور على نحو مناسب حتى بعد انتشار فيروس كورونا وتفاوت دول العالم في سبل معالجة انتشار الفيروس، ما سبب مشكلات واسعة في سلاسل الإمداد ومن ثم تراجع النمو العالمي بشكل كبير، وهو ما أثر في استثمارات إنتاج النفط، وعندما عادت الاقتصادات الكبرى العالمية إلى فتح أسواقها كان ذلك أيضا بشكل متفاوت، ما أحدث اختلالات واسعة في الطلب مع صعوبات جمة بشأن التنبؤ الدقيق بشأن مستويات الإنتاج المطلوبة، لهذا جاء قرار "أوبك +" بتخفيض الإنتاج مع مراقبة الأسواق لتغطية الاحتياجات متى لزم الأمر، وكان قرار "أوبك +" قرارا اقتصاديا بحتا بناء على معطيات عملية، وهذا ما أكده وزير الطاقة في أكثر من مناسبة، لذلك أعاد الإجابة نفسها في هذا الحوار حيث قال، "إن التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي سيواصل نموه هذا العام والمقبل، لكن ما زال هناك عدم يقين حول وتيرة النمو، إضافة إلى ذلك بدأت الصين أخيرا مرحلة التعافي بعد عمليات الإغلاق الممتدة لفترات طويلة إثر جائحة فيروس كورونا، لكن المدة اللازمة للتعافي لا تزال غير واضحة، كما أن الضغوط التضخمية قد تدفع البنوك المركزية إلى تكثيف جهودها للسيطرة على التضخم، والتداخل بين هذه العوامل وغيرها يحد من الوضوح". والحديث كان شفافا ودقيقا بما يكفي لفهم الوضع الراهن، فالولايات المتحدة ليست متأكدة بشأن سعر الفائدة المرتقب، بل يؤكد رئيس البنك المركزي الأمريكي أن رفع الفائدة سيكون أعلى من التوقعات، وهذا تسبب في اضطرابات واسعة في أسواق المال، كما انهارت بنوك في الولايات المتحدة، والأمر مرشح لمزيد من هذه الظواهر السلبية، وهذا يجعل الاقتصاد العالمي غير واضح المعالم بما يكفي لاتخاذ قرارات بشأن رفع سقف الإنتاج، وكما قال وزير الطاقة "إن الإجراء المعقول والوحيد الذي يمكن اتباعه في مثل هذه البيئة المحفوفة بعدم اليقين هو الإبقاء على الاتفاقية التي تم أبرمناها في أكتوبر الماضي لبقية هذا العام".
وقد كان الحوار شفافا بشأن قضايا عالمية بالغة الحساسية والدقة، وذلك عند سؤاله عن مشروع قانون نوبك، وسقف الأسعار والآثار المحتملة لذلك في سوق البترول، واحتمالية تطبيق سقف للأسعار خارج نطاقها الحالي - ومشروع نوبك ليس جديدا على كل حال فقد سبقت مناقشات حول هذا الموضوع مرارا كلما ارتفعت أسعار النفط، ويهدف المشروع إلى اعتبار الاتفاق على تحديد سقف لإنتاج النفط منافيا للمنافسة، ويمثل عملا احتكاريا، ويهدف المشروع إلى منع أي دولة أو جهة أجنبية مثل "أوبك" من تحديد سقف الإنتاج أو السعر المستهدف للنفط - جاءت إجابة وزير الطاقة حاسمة أيضا، حيث إن فرض سقف للأسعار أو منع أي اتفاق لموازنة السوق كلاهما له التأثير السلبي نفسه في الأسواق، ويضيف مخاطر جديدة وغموضا أكبر في وقت تشتد فيه الحاجة إلى الوضوح والاستقرار، وفي المقابل أكد أن "أوبك +" بذلت قصارى جهدها ونجحت في تحقيق استقرار وشفافية عالية في سوق البترول، ولا سيما مقارنة بجميع أسواق السلع الأخرى، وأي اختلالات لمصلحة أي طرف ستسبب مشكلات عميقة في الاستثمارات النفطية، وبالتالي في القدرة الإنتاجية للبترول، وهذا ما يفعله قانون نوبك فيما لو تم إقراره، وفي المدى الطويل سيتسبب ضعف الاستثمارات في انخفاض العرض العالمي بشدة مع تزايد الطلب بما يقود إلى ردة فعل معاكسة فرديا أو جماعيا.
خلاصة الأمر، هذا هو موقف السعودية الثابت والواضح من جانب السوق النفطية، و"أوبك +" محكم بشكل جيد، لا يسمح لدولة واحدة بأن تنفرد بالقرار، ويدرك الجميع أن التوازن دقيق للغاية، وليس في مصلحة أحد أن يتم استخدام النفط من أجل تحقيق مكاسب آنيه قد تتسبب في مشكلات طويلة الأجل، خاصة أن تاريخ السوق النفطية مليء باتجاهات مؤلمة للجميع، وقد حذرت السعودية من أن نمو الطلب العالمي سيفوق المستوى الحالي من احتياطي القدرة الإنتاجية العالمية، ولهذا أكد وزير الطاقة أن الرياض تسابق الزمن من أجل توسيع القدرات الإنتاجية بحيث تصل إلى 13.3 مليون برميل في اليوم بحلول 2027، ومن المتوقع أن تدخل الزيادة الأولى من هذه التوسعة حيز العمل في 2025، وهذه رسالة شديدة الوضوح بشأن ما تخطط له المملكة من تحقيق توازن عادل ووفرة في الإنتاج لمصلحة استدامة النمو العالمي، وأن ما يحدث الآن في الأسواق انعكاس لظروف ليست للسوق النفطية علاقة مباشرة بها.

إنشرها