حرب المياه تلوح في أفق جنوب آسيا «2 من 2»

يبدو أن صفقة اتفاقية المياه أدت فقط إلى إثارة طمع باكستان في منطقة "جامو" و"كشمير" الخاضعة للإدارة الهندية، التي تتدفق عبرها أكبر ثلاثة أنهار في شبكة مياه نهر السند. وبعد مرور خمسة أعوام، في 1965، شنت باكستان حربا مفاجئة - وكانت النزاع الثاني بين البلدين حول وضع المنطقة.
وطوال الفترة منذ ذلك الوقت، ضمنت معاهدة مياه نهر السند لباكستان حصة كبيرة من مياه "جامو" و"كشمير"- المورد الطبيعي الرئيس في المنطقة. وأدى هذا إلى إعاقة التنمية الاقتصادية، وإلى نقص مزمن في الكهرباء، وسبب إحباطا شعبيا في ذلك الإقليم. وعندما حاولت الهند معالجة أزمة الطاقة في المنطقة من خلال بناء محطات توليد الطاقة الكهرومائية- التي تسمح بها معاهدة مياه نهر السند، ولن تغير من الناحية المادية تدفقات المياه العابرة للحدود- بذلت باكستان كل ما في وسعها لعرقلة تقدم المشروع.
ومن المفارقات أن المسؤولين والمشرعين الباكستانيين يدعون أحيانا إلى إعادة التفاوض بشأن معاهدة مياه نهر السند، حتى إن مجلس الشيوخ الباكستاني أصدر قرارا في 2016 بشأن إعادة النظر في المعاهدة ووضع أحكام جديدة لمصلحة باكستان. لكن هذه الإجراءات بعيدة كل البعد عن النهوض بمصالح باكستان، بل ليست سوى تذكير للشعب الهندي بأنه في وقت يتزايد فيه الإجهاد المائي، أصبحت معاهدة مياه نهر السند عقبة أمام بلادهم.
ومن المؤكد أن باكستان تعاني كثيرا من المشكلات فيما يتعلق بالمياه. إذ ظهرت فجوة عميقة بين المقاطعات الواقعة أسفل النهر ومقاطعة "البنجاب" الواقعة في أعلى النهر، التي تستحوذ على الجزء الأكبر من مياه نهر السند للحفاظ على ممارساتها الزراعية الفاسدة. وبسبب تحويل المياه نحو "بنجاب"- بمساعدة السدود الكبيرة المدعومة من الصين في الجزء الباكستاني من "كشمير"، بما في ذلك سد "ديامير بهاشا" الضخم- بدأ دلتا السند يتحول إلى مستنقع ملحي، وهو ما يمثل كارثة بيئية كبرى.
لكن لا شيء من هذا هو من خطأ معاهدة مياه نهر السند، التي من الواضح أنه من مصلحة باكستان حمايتها. لهذا، يجب أن تتوقف باكستان عن التركيز فقط على حقوقها المتعلقة بالمعاهدات، بينما تهمل مسؤولياتها، التي تشمل إعادة التفكير بشأن استخدام الإرهاب كأداة في سياسة الدولة- وهو أسلوب يتعارض مع روح معاهدة نهر السند، ويهدد بدفع الهند إلى الانسحاب منها على نحو انفرادي.
ولن يتسبب مثل هذا الإجراء في توقف تدفق الأنهار إلى باكستان فجأة، حيث تفتقر الهند إلى البنية التحتية المائية التي قد يتطلبها ذلك، وليست لديها خطط لتغيير هذا الوضع. لكنه سيمكن الهند من متابعة مشاريع مائية معقولة دون خزانات سدود، بغض النظر عن الاعتراضات الباكستانية. والأهم من ذلك أنه سيضع حدا للقاسم الدبلوماسي المشترك الحاسم بين الهند وباكستان.
وحتى تستمر معاهدة ما، يجب أن تفوق المزايا التي تمنحها لجميع الأطراف الواجبات والمسؤوليات التي تفرضها. ومعاهدة مياه نهر السند بعيدة كل البعد عن الاستجابة لهذا المعيار الذي تؤمن به الهند، التي لم تحصل حتى الآن على أي فوائد ملموسة منها. وما أطلق عليه "معاهدة المياه الأكثر نجاحا في العالم" حققت فوائد عظمى لباكستان، التي لديها حافز قوي للتخلي عن نهجها القتالي، واعتماد التسوية والتعاون اللازمين لإنقاذها.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت 2023

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي