Author

اليابان والحتمية الاستراتيجية «2 من 2»

|

في مواجهة هذا الوضع الصعب في منطقة آسيا، كانت الخيارات المتاحة لليابان لضمان سلامة حدودها وأمنها أربعة، واحد منها فقط كان واعدا بشكل كبير. من الواضح أن إزالة النزعة السلمية من دستورها وإعادة تسليح نفسها بشكل كامل كدولة نووية خيار باهظ التكلفة والخطورة ويفتقر إلى الدعم المحلي. في الوقت ذاته، لن يكون السعي إلى الحياد والاعتماد على ميثاق الأمم المتحدة كافيا لتوفير القدر الملائم من الأمن، في حين يعني تشكيل تحالف مع الصين منحها قدرا أكبر مما ينبغي من النفوذ على السياسة اليابانية. أو كان بوسعها، أخيرا، أن تحافظ على تحالفها مع قوة عظمى نائية.
هذا التحالف هو الخيار الأكثر أمانا وفعالية من حيث التكلفة. لكن منذ فاز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة عام 2016، ساور القلق بعض اليابانيين إزاء تحول أمريكا إلى العزلة. حتى في أوائل تسعينيات القرن الـ20، عندما كنت مشاركا في إعادة التفاوض على شروط التحالف الأمريكي - الياباني عند نهاية الحرب الباردة، كان كبار المسؤولين اليابانيين يسألونني ما إذا كانت الولايات المتحدة لتتخلى يوما ما عن اليابان مع اكتساب الصين مزيدا من القوة. في ذلك الحين، كان كثير من الأمريكيين ينظرون إلى اليابان باعتبارها تهديدا اقتصاديا، وكان كثير من اليابانيين منفتحين على نهج أكثر تمحورا حول الأمم المتحدة لضمان أمنهم القومي.
ثم تغير الوضع مع تقرير استراتيجية شرق آسيا الصادر عن إدارة كلينتون عام 1995، حيث دعا إلى مشاركة صينية أكبر في الشؤون الدولية، لكنه تحوط أيضا ضد عدم اليقين من خلال تعزيز التحالف مع اليابان. في عام 1996، أوضح إعلان كلينتون ــ هاشيموتو في طوكيو، أن التحالف الأمني بين الولايات المتحدة واليابان يشكل الأساس للاستقرار في شرق آسيا بعد الحرب الباردة. مع ذلك، لم يخل الأمر من تساؤلات حول مصداقية الضمانات الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى إدارة مناقشات بين خبراء الأمن الأمريكيين واليابانيين، الذين ساعدوا على بلورة مبدأ "الردع الموسع" الأمريكي.
يتمثل أفضل ضمان أمني في وجود القوات الأمريكية، التي تساعد اليابان على الإنفاق عليها بدعم سخي من الدولة المضيفة. كانت التدابير الجديدة التي أعلنها كيشيدا وبايدن في كانون الثاني (يناير) مصممة لتعزيز هذا الضمان وتوفير التأمين المجدد في حال عودة ترمب أو شخص من أنصار فكر ترمب إلى البيت الأبيض. الأمر المهم هنا هو أن هذه التدابير لا تعطي جيران اليابان أي سبب للخوف من احتمال استرجاعها ميلها إلى العدوان. الواقع أن تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة واليابان هو أفضل طريقة لضمان عدم عودة اليابان إلى ذلك على الإطلاق.
على مدار العقدين الماضيين، أصدرت أنا وريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية السابق، تقارير ثنائية الحزبية حول كيفية تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة واليابان. وكما يوضح أحد هذه التقارير، "في ظل التغيرات الديناميكية التي تحدث في مختلف أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من غير المحتمل أن تحظى اليابان أبدا بمثل هذه الفرصة للمساعدة على توجيه مصير المنطقة. وفي اختيار القيادة، تستطيع اليابان أن تعمل على تأمين مكانتها كدولة من الدرجة الأولى، والتأكيد على دورها الضروري كشريك على قدم المساواة في التحالف".
في هذا السياق، يمكننا اعتبار التدابير التي اتخذها كيشيدا، أخيرا، خطوات مناسبة في الاتجاه الصحيح. ينطوي الأمر على إمكانات هائلة لتطوير شراكة أكثر مساواة، والعمل مع آخرين من أجل توفير الأمن المشترك. سيكون هذا مفيدا للولايات المتحدة ولليابان وبقية العالم. وتوفر الأحداث الأخيرة أرضية للتفاؤل بشأن مستقبل التحالف بين الولايات المتحدة واليابان والاستقرار في شرق آسيا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

إنشرها