default Author

الضحية الأخيرة

|

خلف كل مرض حكايات وخبايا يجهلها كثير من الناس فهم يعرفون ظاهر الأمراض ولا يدرون أن بعض هذه الأمراض خصوصا الفيروسية المعدية قد يقضى عليها، لكن يبقى جزء منها هناك على أرفف المختبرات لا يعلم عنه أحد سوى العلماء في تلك المراكز، تختلط فيها النيات الطيبة للباحثين بخطورة تسرب تلك الفيروسات أو تغير تركيبتها وظهور أجيال مقاومة، ما يزيد من صعوبة القضاء عليها!
قدرها ساقها إلى قاعة في الطابق الواقع أسفل مختبر تحت إدارة البروفيسور هنري بيدسون، الذي يحتوي على عينات من فيروس أحد أخطر الأمراض التي مرت في تاريخ البشرية، الذي قضى على أكثر من 30 في المائة من الذين أصيبوا به، أما من نجوا منه فقد رحل عنهم لكنه أبى إلا أن يترك أثره في وجوههم، ندبات لم يستطع الزمن محوها، إنه الجدري أو "الحماق". أمسكت جانيت باركر وهي مصورة طبية، عملت في كلية الطب في برمنجهام في إنجلترا بالهاتف، وكانت هذه أخطر مكالمة، فقد شعرت بعدها بفترة قصيرة بالمرض، اعتقدت في البداية أنه إنفلونزا حتى ظهرت البقع على جلدها، وبعد نحو شهر من إصابتها، نقلت إلى المشفى بسبب الاشتباه في إصابتها بالجدري. لقد تسربت سلالة خبيثة من فيروسات المرض عبر مجرى الهواء وشقت طريقها إلى أن حطت على جهاز الهاتف الذي استخدمته باكيت، عرفت السلالة باسم "عابد" نسبة إلى الصبي البالغ من العمر ثلاثة أعوام الذي عزلت منه السلالة. لقد فزع العالم وتجمعت وسائل الإعلام العالمية عند مقر الحجر الصحي المخصص لها وعائلتها في برمنجهام، لمعرفة هل سيظهر المرض الفتاك مرة أخرى أم لا؟ وقد حدث ذلك بالفعل، وبعد فترة وجيزة من دخولها المستشفى توفيت باركر.
شعر الدكتور بيدسون بالذنب وهو الذي كان يأمل من أبحاثه على الفيروس أن تجيب عن عديد من الأسئلة بخصوص المرض، ومنها هل ستشكل متغيرات المرض مشكلة بعد استئصاله؟ لم يكن يتوقع ما حدث على الرغم من زيارة مفتشي منظمة الصحة العالمية مختبره في الفترة نفسها التي أصيبت فيها باركر، وكانوا غير راضين عما وجدوه، ومع ذلك سمحوا له بمواصلة عمله، بشرط إجراء بعض الاحترازات، وكان من المقرر إغلاق المختبر في غضون ستة أشهر، لكن القدر لم يمهل ضحيتنا، مات البروفيسور هنري بيدسون منتحرا قبل تأكيد وفاة باركر، إذ أصابه الذعر من احتمال كونه المسؤول عن إطلاق المرض الذي كان يعمل بجد لاستئصاله من العالم.

إنشرها