تقارير و تحليلات

نكسات صناعة الألواح الشمسية الأمريكية .. من مقود القيادة إلى حصة لا تتجاوز 1 %

نكسات صناعة الألواح الشمسية الأمريكية .. من مقود القيادة إلى حصة لا تتجاوز 1 %

في الولايات المتحدة الأمريكية، ولدت وترعرعت صناعة الخلايا الشمسية الكهروضوئية المصنوعة من السيليكون، التي تعرف باسم الألواح الشمسية، ففي خمسينيات القرن الماضي، تحديدا في عام 1954 اكتشف ثلاثة مهندسين أمريكيين في مختبرات بيل، أن الإلكترونات تتدفق بحرية عبر السيليكون عندما يتعرض لأشعة الشمس.
وبحلول السبعينيات، عانت الولايات المتحدة أزمة طاقة، حينها أقر الكونجرس الأمريكي قانون البحث والتطوير في مجال الطاقة الشمسية لعام 1974، والتزمت الحكومة الفيدرالية أكثر من أي وقت مضى بجعل الطاقة الشمسية مجدية وبأسعار معقولة وتسويقها للجمهور.
لفترة من الوقت، تحديدا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، سيطرت الشركات الأمريكية على سوق الطاقة الشمسية العالمية، وسجلت معظم براءات اختراع الطاقة الشمسية بأسماء علماء من الولايات المتحدة، وفي أواخر عام 1978 استحوذت الشركات الأمريكية على 95 في المائة من سوق الطاقة الشمسية العالمية.
إلا أن هذا الوضع لم يستمر طويلا، إذ بدأت الحصة الأمريكية في الأسواق تتراجع، والدولة التي أنتجت في يوم من الأيام جميع الألواح الشمسية في العالم تقريبا، شهدت انهيارا في حصتها، وبحلول عام 1990 أنتجت الشركات الأمريكية 32 في المائة من الألواح الشمسية في جميع أنحاء العالم، وبحلول عام 2005 كانت تلك الحصة تبلغ 9 في المائة فقط، أما اليوم فإن حصة الولايات المتحدة من إجمالي الخلايا الشمسية المنتجة عالميا فهي أقل من 1 في المائة.
باختصار، في عالم اليوم لم تعد الألواح الشمسية -على أهميتها لحل أزمة الطاقة الأمريكية- تصنع في الولايات المتحدة، على الرغم من أن سوقها باتت الآن أكبر من أي وقت مضى، فابتداء من الثمانينيات، انتقلت القيادة في تلك الصناعة الاستراتيجية إلى اليابان ثم الصين لاحقا، والآن مصنع واحد فقط من أكبر عشرة مصانع لتصنيع الخلايا الشمسية في العالم مقره الولايات المتحدة.
استفادت اليابان من التراجع الأمريكي، وفي ثمانينيات القرن الماضي، اشترت الشركات اليابانية والألمانية والتايوانية براءات الاختراع وبعض الشركات الأمريكية، وفي حين إن اليابان لم تكن لديها صناعة الألواح الشمسية في عام 1980، فإنها بعد نحو ربع قرن من هذا التاريخ أي في عام 2005 كانت تنتج بمفردها ما يقرب من نصف الألواح الشمسية في العالم.
وهنا يرى الدكتور روبنسون ماير أستاذ اقتصادات الطاقة البديلة في جامعة لندن، أن أسباب التفوق الياباني على الولايات المتحدة تعود إلى أن اليابان كانت أكثر عملية من الولايات المتحدة.
وقال ماير لـ"الاقتصادية"، "إن النظام الأمريكي في الثمانينيات حتى اليوم مصمم للأبحاث بدون تطبيق واضح فوري، وكانت معظم شركات الطاقة الشمسية الأمريكية في الثمانينيات تستعد للأسواق الضخمة المتوقعة في المستقبل، مثل أسطح المنازل السكنية ومزارع الطاقة الشمسية، وهذا يتطلب ألواحا شمسية أرخص وأكثر كفاءة، مما كان عليه الوضع في العقد الثامن من القرن الماضي".
وأشار إلى أن "اليابانيين كانوا عمليين، فأوجدوا أول تطبيق تجاري رئيس للألواح الشمسية، ووضعوها داخل الآلات الحاسبة وساعات اليد وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، ونظرا لأن هذه الأجهزة لم تكن تتطلب كثيرا من الكهرباء، فقد تم توفيرها جيدا بواسطة الألواح الشمسية التي كانت متاحة في هذا الوقت".
وأضاف ماير، أن "الصينيين أخذوا هذا المنطق العملي من اليابانيين وتوسعوا فيه، وباتوا الآن مسيطرين على سوق صناعة الألواح الشمسية".
بعد مرور كل تلك الأعوام تبدو صناعة الألواح الشمسية في الولايات المتحدة في حالة من التشكك حول مستقبلها، فقد وجد تقرير صادر عن جمعية صناعات الطاقة الشمسية الأمريكية أن 83 في المائة من الشركات الأمريكية التي شملها الاستطلاع التي تستخدم أو تشتري الألواح الشمسية، تتوقع تأخيرا في عمليات التسليم أو إلغاء، والسبب باختصار يعود إلى اعتماد الولايات المتحدة على الآخرين في تلك الصناعة.
من جانبها، ذكرت لـ"الاقتصادية" أمبر تيم الباحثة في مجال الطاقة النظيفة، أن "المخاوف الأمريكية ظهرت في مارس الماضي، عندما فتحت وزارة التجارة الأمريكية تحقيقا لتحديد إذا ما كانت أربع دول هي كمبوديا وماليزيا وتايلاند وفيتنام تقوم بتزويد الولايات المتحدة بألواح شمسية تستخدم مكونات مصنوعة في الصين، ومن ثم يجب أن تخضع للتعريفات الجمركية، وإذا تأكدت السلطات الأمريكية من ذلك فإن الألواح الشمسية التي تبيعها الدول الأربع في الولايات المتحدة، قد تخضع لرسوم جمركية بأثر رجعي، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الألواح الشمسية في الأسواق الأمريكية، ويثير مخاوف الشركات التي تستخدم أو تشتري تلك الألواح بأن الصفقات التي عقدتها سيتأخر تسليمها أو تلغى".
في العقد الماضي وحده، شهد استخدام الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة معدل نمو سنوي بلغ 33 في المائة بفضل السياسات الفيدرالية القوية الداعمة لإحلال الطاقة الشمسية محل أنواع الوقود التقليدي، إذ منح مستخدمو الطاقة الشمسية امتيازات في الائتمان الضريبي لتعزيز الاستثمار في هذا المجال، وساعد انخفاض التكاليف بمعدلات سريعة، على توسيع نطاق الاستخدام، خاصة مع تراجع تكلفة تركيب الألواح الشمسية بأكثر من 60 في المائة، ومع زيادة الطلب على الكهرباء النظيفة في القطاعين الخاص والعام، توسع استخدام الطاقة الشمسية جراء نشر آلاف الأنظمة في مختلف الولايات الأمريكية.
وفي العام الماضي، قدرت جمعية صناعات الطاقة الشمسية وجود أكثر من 255 ألف أمريكي يعملون في مجال الطاقة الشمسية في أكثر من عشرة آلاف شركة في كل ولاية أمريكية، بينما ولدت الصناعة ما يقرب من 33 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة في الاقتصاد الأمريكي، فإن الأرقام تشير إلى أن حجم سوق صناعة الطاقة الشمسية في أمريكا مقدرا بالإيرادات سيبلغ هذا العام نحو 17 مليار دولار، بينما يرجح أن يزداد حجم السوق بنسبة تزيد قليلا على 27 في المائة هذا العام أيضا.
بدوره، أوضح لـ"الاقتصادية" المهندس مارك راب الخبير في مجال الطاقة، أنه "يتم استيراد 80 في المائة من جميع الألواح الشمسية المثبتة في الولايات المتحدة من أربع دول هي كمبوديا وماليزيا وتايلاند وفيتنام، هذا الاعتماد على الدول الأخرى يترك الولايات المتحدة عرضة لاضطراب سلاسل التوريد لمنتج رئيس، ولذلك فالولايات المتحدة عليها تطوير قدرتها التصنيعية لإنتاج ألواح ومكونات الطاقة الشمسية، ويمكنها القيام بذلك من خلال توفير حوافز مالية للمصنعين للمساعدة على تعويض تكاليف الإنتاج المحلي المرتفعة، التي تقدر بين 30 إلى 40 في المائة أكثر من الواردات".
وبالفعل، فعلى مدى العام ونصف الماضي، أدت قيود الشحن وغيرها من الصعوبات التي انعكست سلبا على سلاسل التوريد نتيجة جائحة كورونا وعدم الاستقرار التجاري، إلى زيادة الأسعار في صناعة الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ارتفاع الأسعار خاصة في مجال تركيب الألواح الشمسية، انخفضت توقعات التركيب هذا العام بمقدار النصف مقارنة بعام 2021.
وجعلت تطورات الأعوام الأخيرة صانعي السياسة في الولايات المتحدة حريصين على القيام بشيء ما حتى تستعيد الولايات المتحدة موقعها المركزي في صناعة الألواح الشمسية، إذ أقرت أغلبية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مشروع قانون يهدف إلى الحفاظ على القدرة التنافسية التكنولوجية الأمريكية ضد الصين، وطلب الرئيس الأمريكي من الكونجرس الإذن بـ35 مليار دولار للبحث والتطوير في مجال الطاقة النظيفة، وهو ما عده البعض مبلغا لا يكفي لتستعيد الولايات المتحدة موقعها الريادي السابق في مجال صناعة الألواح الشمسية، فالمبلغ الذي طلبه الرئيس الأمريكي يساوي ما ينفقه الأمريكيون على طعام الحيوانات الأليفة في العام.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات