السعودية أرضية خصبة لنمو شركات اليونيكورن .. حرية اقتصادية واستقطاب للمواهب

السعودية أرضية خصبة لنمو شركات اليونيكورن .. حرية اقتصادية واستقطاب للمواهب

مع استمرار معدلات التضخم المرتفعة، التي ينظر إليها الخبراء ومحافظو البنوك المركزية باعتبارها التحدي الاقتصادي الأبرز في وقتنا الراهن، وتواصل المناقشات في الوقت ذاته بين الاقتصاديين من احتمال تعرض بعض الاقتصادات الكبرى للركود، فإن مؤسسي الشركات الناشئة التي يطلق عليها اسم "اليونيكورن" يراقبون الموقف بفارغ الصبر.
والشركات الناشئة أو اليونيكورن التي جرى العرف على ترجمتها في اللغة العربية بـ"أحادية القرن"، شركات مملوكة للقطاع الخاص، مدعومة من رأس المال الاستثماري وتقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر، وقد أدى التزايد الذي لم يسبق له مثيل في أعداد تلك الشركات، أن أصبحت واحدة من الظواهر الاقتصادية التي يشار لها بالبنان وتخضع للدراسة والتمحيص.
صيغ مصطلح اليونيكورن عام 2013، ومنذ ذلك التاريخ، حققت بعض الشركات "أحادية القرن" نجاحا كبيرا لدرجة أنها انتقلت الآن إلى مرحلة "ديكاكورن" أي شركات تقدر قيمتها بعشرة مليارات دولار أو أكثر، ويطلق عليها "عشارية القرن".
بين عامي 2005 و2020 كان هناك 14 شركة من الشركات "أحادية القرن" على المستوى العالمي، وفي بداية 2016 قدر إجمالي الشركات الدولية التي تدخل ضمن فئة اليونيكورن بـ165 شركة، وبحلول 2018 بلغ عدد تلك الشركات 266 شركة، وفي منتصف 2021 قدر العدد الإجمالي لشركات اليونيكورن أو أحادية القرن بـ743 شركة بزيادة قدرها 350 في المائة.
اليوم، تشير آخر الإحصاءات إلى أنه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي كان يوجد في الاقتصاد الأمريكي وحده 704 شركات ناشئة، قيمة كل واحدة منها مليار دولار أو أكثر، بينما احتلت الصين المرتبة الثانية بـ243 شركة من هذا الطراز، أما الهند فجاءت في المرتبة الثالثة بنحو 85 شركة، والمملكة المتحدة في المرتبة الرابعة بـ56 شركة، ونالت ألمانيا المرتبة الخامسة بـ36 شركة، وبذلك يكون لدى الولايات المتحدة على الأقل ضعف عدد الشركات "أحادية القرن" مقارنة بكل من الصين والهند.
لكن، لماذا تهيمن الولايات المتحدة على مشهد الشركات أحادية القرن على المستوى العالمي؟
هنا قال لـ"الاقتصادية" إل. ك. جاستين الخبير الاستثماري، "على الرغم من انتشارها في جميع أنحاء العالم، فإن أحاديات القرن تتركز في الولايات المتحدة والصين، بوصفهما أكبر اقتصاديين في العالم، حيث يقع المقر الرئيس لنحو 80 في المائة من تلك الشركات، بينما يتوزع الباقي في 40 دولة ومنطقة حول العالم، وقد شهدت الهند نموا كبيرا في الشركات أحادية القرن، خاصة العاملة في مجال التكنولوجيا، حيث باتت تحتل المرتبة الثالثة".
ويستدرك قائلا، مع ذلك يمكن ربط هيمنة الولايات المتحدة على مشهد الشركات أحادية القرن بعوامل محددة مثل التمويل الهائل المتاح لمؤسسي تلك الشركات، القدرة على الابتكار، والبيئة المنظمة جيدا، وكذلك وجود قطاع خاص قوي تقوده صناعة التكنولوجيا، وفي هذه الحالة يمكن لأصحاب المشاريع إطلاق مشاريع مختلفة دون القلق بشأن التمويل أو تضييق الخناق عليهم من قبل الحكومة.
مع هذا، فإن العدد المتزايد لشركات اليونيكورن، قد يكون في خطر، حيث تلوح في الأفق إمكانية حدوث ركود اقتصادي كبير.
ويدور الآن جدل كبير بين الخبراء بشأن تأثير النظرة القاتمة للاقتصاد العالمي في شركات اليونيكورن، فبينما يعتقد البعض أن الركود سيدفع بالمستثمرين بعيدا عن الاستثمار، في ظل حالة من عدم اليقين الاقتصادي التي تحلق في الأجواء، ما يجعل تلك السلالة من الشركات أحادية القرن نادرة أو يصعب تأسيسها في مثل تلك الظروف التقشفية، فإن آخرين يعتقدون أن الاضطرابات في الأسواق العامة أدت تاريخيا إلى تحول المستثمرين نحو استثمارات خاصة أكثر أمانا، بما في ذلك الشركات الناشئة، فانخفاض تكلفة السلع والخدمات وزيادة توافر المواهب المؤهلة في أوقات الركود، يمنح شركات اليونيكورن الفرصة لمزيد من التقدم.
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية" الدكتور إليفر إيسن أستاذ الاقتصاد الشامل من مدرسة لندن للتجارة، "كان هناك موجة من تلك الشركات بدأت في الظهور قرب نهاية الركود الاقتصادي الكبير في الولايات المتحدة في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد الدولي 2008، كانت ظروف السوق في ذلك الوقت مواتية خصوصا لنمو هذا النوع من الشركات، بسبب سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي التي سمحت بتراكم رأس المال في جميع أنحاء العالم للبحث عن فرص للاستثمار، وقد أدى ذلك إلى وصول عدد كبير بشكل غير عادي من الشركات إلى عتبة المليار دولار، وهو الحد الأدنى لشركات اليونيكورن".
وأضاف "الأمر يبدو مختلفا اليوم مع قيام الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى برفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم الجامح، ومن ثم فإن الظروف لا تبدو مواتية لشركات اليونيكورن"، في حين استدرك قائلا "لكن لا يزال من المحتمل أن نرى بعض أحادي القرن ينهضون من تحت أنقاض التباطؤ الاقتصادي الحالي".
إلا أن الدكتورة أجنيس روي أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة شيفيلد، ترى الأمر من منظور مختلف.
وقالت روي لـ"الاقتصادية"، "إن الأوقات الصعبة مثل الركود الاقتصادي تعني أن مؤسسي هذا النوع من الشركات سيكونون أمام نوعين من التحديات، أولهما يرتبط بقدرتهم على طرح عروض جذابة لإقناع المستثمرين بالمجازفة في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، واستثمار أموالهم في شركات ترمي أن تكون أحادية القرن.
أما التحدي الثاني، فيرتبط بقدرة إدارة تلك الشركات على أن تطرح خلال فترات الانكماش الاقتصادي خطط عمل وابتكارات تساعد على تحقيق نمو مستدام، وبمجرد النجاح في التغلب على هذين التحديين، فإنه عندما يستعيد السوق وضعه المثالي ستتمكن تلك الشركات من الحصول على مزيد من الحصة السوقية والعملاء والتحول بسلاسة من شركات يونيكورن إلى ديكاكورن.
تطرح وجهتا النظر، تساؤلات حول مستقبل الشركات أحادية القرن، فكثير من الخبراء يرون أن هذا النوع من الشركات سينمو في المستقبل، وسيزدهر خارج البلدان التي يتركز فيها حاليا.
وذكر لـ"الاقتصادية" إن. سي تويسلاند الباحث الاقتصادي، "أن حجم رأس المال المتدفق لدعم الشركات أحادية القرن نما بشكل كبير خلال العقود الماضية، وكان هذا مدفوعا بثلاثة عوامل رئيسة كانت تتزايد بشكل مستمر، وهي تنامي المواهب نتيجة ارتفاع المستويات التعليمية، وتوافر رؤوس الأموال، ومعدل التغيير التكنولوجي".
وأضاف قائلا، "تلك العوامل توجد بكثافة في الولايات المتحدة، لكن يلاحظ أيضا أنها آخذة في الازدياد في منطقة جنوب شرق آسيا وفي منطقة الخليج العربي خاصة في الأعوام الأخيرة، فمناخ الحرية الاقتصادية الموجود حاليا في بلدان، مثل: السعودية والإمارات، ووفرة رؤوس الأموال والسياسات القائمة على تبني العناصر الموهوبة أو استقطاب مهارات من الخارج يوجد أرضية خصبة لنمو تلك الشركات في تلك الرقعة من العالم في الأعوام العشرة المقبلة، خاصة أن العناصر المحلية من الموظفين الأوائل الذين عملوا في شركات تكنولوجيا عالمية ناجحة، سيخرجون من تلك الشركات مع تنامي خبراتهم، وإدراكهم توافر رؤوس الأموال المحلية، لبدء شركاتهم الخاصة".
واستدرك "كما أن هناك إدراك خليجي ملحوظ بأهمية الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة من إحداث ثورة في السوق والارتقاء بالاقتصاد الوطني، والتغلب على جوانب القصور الديموغرافي، ومع وفرة رؤوس الأموال والبيئة التنظيمية المحكمة يمكن لعدد كبير من الشركات الخليجية الارتقاء إلى مصاف الشركات أحادية القرن، بل وعشارية القرن ايضا".
من المؤكد في الوقت الراهن أن الطلب الهائل على التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم سيستمر في دفع الشركات أحادية القرن وعشارية القرن إلى الأمام، خاصة في البلدان التي يوجد لديه نظم تمويل قوية وسلسة، وسيظل تقييم مدى نجاح تلك الشركات محل تساؤل، فهل يكون معيار القوى هو رؤوس أموالها، حتى وإن اعتمدت على التمويل الخارجي، أم سيكون معدل الربحية هو المعيار الرئيس للنجاح؟ خاصة أن الوضع الراهن للاقتصاد العالمي يوحي ببيئة أكثر صعوبة للحصول على التمويل.

الأكثر قراءة