Author

بعد 330 يوما .. ما قصة الحرب في أوكرانيا؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد

اليوم يكون قد مضى على الحرب المدمرة في أوروبا 330 يوما. مع هذا، لا يزال الكثيرون في الغرب يتساءلون ما هي قصة هذه الحرب، وماذا في جعبة الأطراف المتصارعة وهل سيكون لها نهاية؟ وهناك الكثير من الأسئلة التي لم تعد حصرا على الإعلام، بل صارت على ألسنة الناس ووصل الأمر ببعض الساسة والقيادات الحزبية إلى إثارة علامات استفهام كبيرة على ما يحدث وما ستؤول إليه الأوضاع.
وكما هو شأن أي حرب، فإن استمرارها يصبح مدعاة للخوف وكذلك الشكوك في النوايا. صحيح، أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة خارج نطاق الحرب بقدر تعلق المسألة بالضحايا البشرية، بيد أنه في خضمها أو بالأحرى واقع في أتونها إن أخذنا تأثيراتها وتبعاتها. ومآلات هذه الحرب صارت محسوسة على المستوى الشعبي، وأخذت الناس تعاني وقعها، ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ظهرت شرائح اجتماعية كبيرة من أصحاب الدخل المحدود تعيش على الكفاف.
وبعد كل هذه المدة الطويلة والويلات التي جلبتها الحرب هذه وما يعانيه الناس من إفرازاتها، لا أظن هناك من يعرف ما القصة الحقيقية حتى الآن. ولا حتى القادة والسياسيون في جعبتهم ما يشفي غليل الناس إلى معلومات صائبة عما يحدث. شيء واحد صار معلوما وهو أن أوروبا وقعت في فخ ما يشبه حربا عالمية ثالثة دون استخدام أسلحة الدمار الشامل حتى الآن.
تريد الناس أن تعرف، ودخلت معترك البحث عن المعلومة الصحافة أخيرا، ما الذي سيجنونه في النهاية من هذه الحرب مقابل الثمن الكبير الذي يدفعونه لإدامة أتون الحرب.
والأسئلة كثيرة وآخذة بالتناسل. في مقال في صحيفة أمريكية، شاركتها فيه صحف أخرى، كانت فيه جردة حساب بسيطة لا تفوت حتى على الذي تصعب عليهم مادة الرياضيات.
تقول الصحيفة إن المبالغ التي خصصتها الولايات المتحدة لدعم مجهود الحرب في أوكرانيا تصل إلى 100 مليار دولار في عشرة أشهر، بينما ميزانية وزارة الدفاع لـ 2022 بلغت 66 مليار دولار. ومبلغ 100 مليار دولار من أمريكا لا يشمل ما يوازي عشرات المليارات من الدولارات التي قدمتها الدول الغربية الأخرى لتعزيز الدفعات الأوكرانية في وجه الجيش الروسي الذي يقاتل في الأراضي الأوكرانية.
وتسرد الصحيفة حجم العتاد والعدد العسكرية التي وصلت، والتي في طريقها أن تصل إلى أوكرانيا، وتريد معرفة السبب الذي جعل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يصبح أول زعيم أجنبي يلقي خطابا في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه منذ أن قام بذلك ونستون شرشل في 1942.
وتذكر فيما يرقى إلى امتعاض أو بالأحرى سخرية أن المشرعين الأمريكيين لم يكتفوا بالدعم الكبير هذا، وحتى لم يلتفتوا إلى المحتاجين من الأمريكيين، بل منحوا زيلينسكي تصفيقا حادا مطولا ووقوفا مع الهلاهل، وكأن المبالغ المالية الأمريكية الكبيرة لم تكن كافية.
وتثار أسئلة حرجة حول طريقة صرف المبالغ الهائلة التي تخصص لأوكرانيا وما محصلتها بالنسبة إلى الشعب الأمريكي، وكيف لدافع الضرائب الأمريكي أن يعرف بالضبط كيف أنفقت، وما هي مشاريع الإدارة والكونجرس للعام الحالي، 2023.
وأكثر سؤال إلحاحا هو إن كان هناك ليس خطة محددة بل حتى تصورا عن متى وكيف ستنتهي هذه الحرب، وإن كان هدف الولايات المتحدة تحقيق نصر على روسيا، فما هي حيثياته وشروطه؟
وتقارن الصحافة كثيرا بين الحروب التي خاضتها أمريكا في العقدين الماضيين وعلى الخصوص الحرب في أفغانستان والحرب في العراق، حيث كانت محصلة الحربين خسارة آلاف الأرواح من الأمريكيين وتريلونات الدولارات.
الدعم السياسي الغربي لأوكرانيا في حربها ضد التدخل الروسي في أراضيها لا يزال صلبا، ومن النادر أن يقف المرء على مقال يدعو صراحة إلى ترك أوكرانيا كي تكوي جراحها بنفسها.
ولكن هناك ما يشبه الصرخة في وجه القادة والساسة لكشف الأوراق كاملة والقول لشعوبهم وبصريح العبارة إلى أين ستقودهم هذه الحرب ومتى وكيف بالضبط يتحقق "النصر" الذي يصبون إليه.
يبدو أن العام الحالي سيشهد ضغطا شعبيا كبيرا على الحكومات الغربية للتعامل بشفافية مع ما تقدمه من مساعدات كبيرة لأوكرانيا، وتقديم أهداف محددة لما تسعى إلى تحقيقه من استمرار هذه الحرب. في خلاف ذلك، فإن العام الحالي سيشهد وقوع خسائر وضحايا مع استمرار الحرب دون هدف ولفترة قد لا يعلمها إلا الله.

إنشرها