Author

الذكاء الاجتماعي أداة النجاح المنسية

|

تتضمن النفس البشرية عددا من القدرات، والخصائص التي تمكن الفرد في الأغلب من تدبير حياته بالشكل المناسب، مع ما يوجد من تفاوت بين الأفراد في مستوى الخصائص، وهذا يعود إلى أسباب فطرية، وأخرى تربوية تتمثل في نوع وكم الخبرات التي تعرض لها الفرد، وفي أدبيات علم النفس تتم الإشارة إلى دور الذكاء الاجتماعي كخاصية يتمايز الأفراد فيما بينهم فيها ما ينعكس على النجاح أو الفشل فيما يسعون إلى تحقيقه من تعدد، وتنوع في العلاقات، وتحقيق للأهداف، وقدرة على فهم الذات، والآخرين، والنجاح في إقناعهم بفكرة، أو رأي مرتبط بمشروع يحقق منه المكاسب الطائلة.
القدرة على معرفة ما يحب، وما يكره الآخر، وما يفضل من حديث، والقدرة على ترجمة هذا الفهم إلى فعل يتناغم مع نوع الميل يمثل صورة من صور الذكاء الاجتماعي، فإن استشعر الفرد أن الآخر يفضل أحاديث جادة هادفة أخذ بذلك، وإن اكتشف أنه يميل إلى الأخبار العامة نحا هذا المنحى، أما إن أدرك أنه من النوع الذي يفضل النكت، والقصص المضحكة فعل ذلك، كما أن الذكاء الاجتماعي يمكن صاحبه من تقديم نفسه بالشكل المناسب الذي يحبب الآخرين فيه، ويزينه في عيونهم، وقلوبهم، ولذا تجده يتمتع بشبكة علاقات واسعة قد تكون من فئة واحدة، أو من فئات عدة، كما يتمتع بخاصية الفزعة، وفعل الخير للآخرين، ومساعدتهم.

الذكي اجتماعيا منصت جيد، يندمج في الأغلب مع أي بيئة وتجمع يوجد فيه، كما يحسن اختيار كلماته، حسب من يتعامل معه، وحسب الظروف المحيطة به، ويجيد تنفيذ قاعدة لكل مقام مقال، يتبسط وقت التبسط، ويظهر الجد في ظروفه.
فاقد الذكاء الاجتماعي يكثر المشكلات مع الآخرين، ولا يحسن التعامل معهم، كما لا يجيد اختيار الألفاظ المناسبة عند التخاطب مع الآخرين، ويفتقد القدرة على تنويع الأساليب حسب الظروف والأشخاص، إذ لا يجيد تطبيق قاعدة لكل مقام كلام، وكل ما يجيده توزيع الأخبار الجميلة عن مكاسبه، وثروته المتوهمة من خلال أصحابه، والحديث عن معارفه المفترضين من رجال الأعمال والمسؤولين، وغيرهم ممن يعتقد أن معرفتهم توجد صورة حسنة له لدى الآخرين.
المشكلة أن البعض يظن أن الفهلوة، ورسم صورة جميلة مفتعلة عن ذاته، وبالتمثيل، والتظاهر، وليس في الواقع تقربه من الناس، وتوجد ثقتهم به، دون أن يدرك أن للناس حواس، وقدرات تمكنهم من كشفه، ومن على شاكلته، وذلك بملاحظة سلوكه، وتصرفاته والتناقض بين ما يقول، ويفعل، وكم من الأفراد أوقعه ما يظنه ذكاء في إشكاليات، وسوء علاقات مع الآخرين، والأجهزة الرسمية، إذ اعتقد أن جزءا ليس باليسير ممن يقبعون في السجون، أو في مراكز الشرط، أو في المحاكم هم من محترفي الفهلوة الذين يظنون أنهم يستغفلون الآخرين بالحيل والكذب والتدليس، وديدنهم التظاهر بما ليس فيهم، لينكشفوا فيما بعد على حقيقتهم المرة.
بعض من دخلوا في الأعمال التجارية ينطبق عليهم مفهوم الذكاء الاجتماعي الوهمي، وليس الحقيقي، نظرا إلى عدم امتلاكهم الخصائص اللازمة، لذا قد ينجحون لفترة من الزمن، لكن سرعان ما ينكشفون على حقيقتهم، وتفقد الثقة بهم، وينسحب الزبائن عنهم لتكون النتيجة الحتمية الخسارة، والإفلاس، والخروج من السوق.
مهن كثيرة يحتاج أصحابها إلى الذكاء الاجتماعي الحقيقي، وليس الوهمي، فالتعليم، والطبابة، والمحاماة والقضاء، والتجارة، والعلاقات العامة، وغيرها لما لفهم الآخرين، والحاجة إلى إقناعهم من ضرورة في هذه المهن، وكم من معلم فطين انتشل طالبا من مشاعر سلبية نحوه، أو نحو المدرسة، وكم من قاض اكتشف تدليس كلام أحد الخصوم، وكم من طبيب أقنع مريضه بضرورة أخذ الدواء، أو إجراء العملية التي يرفضها، لذا فالحاجة ماسة إلى جعل التدريب على الذكاء الاجتماعي ضمن برامج التعليم، والدورات التدريبية التي تعقدها الأقسام المتخصصة. إن الذكاء الاجتماعي الطبيعي هو ما يجب أن نحرص عليه لآثاره المستدامة والبعيدة عن الغش، والتدليس.

إنشرها