انعكاسات مؤتمراتنا الحكومية على أعمالنا

تلعب المؤتمرات للجهات الحكومية دورا أساسيا لمساعدتنا كاقتصاديين على استقراء كيف تفكر منظماتنا الرسمية على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي، ولا سيما من المسؤول الأول، سواء كان وزيرا أو محافظا أو رئيسا، لأن التحولات الاستراتيجية في الأغلب لا تظهر نتائجها سريعا ما لم تكن تقنية بمستوى تحويلي Transformation، لأن التفاعلات بين الأداء التنفيذي قصير الأجل ونتائج الاستراتيجيات على المستويين المؤسسي Corporate strategy ومستوى الأعمال Business strategy والمستوى الوظيفي Functional strategy، والسياسات الاقتصادية Economic policy، تتطلب فترات زمنية طويلة لا تقل عن أربعة أعوام على أقل تقدير، لتظهر نتائج تفاعلاتها وإذا ما كانت الجهة من الجهات الحديثة أو التي تمت إعادة هيكلتها ضمن تحولات رؤية 2030، فإن تقديراتنا الاقتصادية والتنفيذية تندرج في نظرة متعددة المستويات، أي وفق مناظير تجمع بين برامج الرؤية والتحول الوطني والدور الاقتصادي للكيان وبطريقة شمولية والسياسة الاقتصادية.
من الجهات التي يمكن تقييم وضعها من حيث النموذج السابق، هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وهي نموذج ملائم لتفسير ذلك تنفيذيا واستراتيجيا واقتصاديا وكما يلي، أولا، الهيئة من الكيانات الجديدة وفي الوقت نفسه كانت في مرمى نطاق إعادة هيكلة مؤسسات الدولة التي تخدم رؤية 2030 بشكل مباشر، بما في ذلك دمج الجمارك معها. ثانيا، إذا ما نظرنا إلى كفاءة تطبيقها للنظام الضريبي تنظيميا وتنفيذيا، استوعبت، أي الهيئة، السياسات الاقتصادية الجديدة في توليد إيرادات للميزانية العامة من الضرائب وظهرت للمراقب وكأنها تمارس أعمالها التنفيذية في تطبيق الضريبة المضافة كمنظم ضريبي يمتلك تاريخا طويلا في إدارة سياسات الضريبة في الاقتصاد، ويعزى تميزها إلى الإدارة التنفيذية وللقادة الحكوميين الجدد وفق منهجية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في خطته الإصلاحية للاقتصاد.
ثالثا، أعلنت الهيئة مؤتمرا مقبلا يركز على رقمنة الإيرادات الزكوية والضريبية والجمارك عبر الأتمتة الشاملة وتحقيق غايات استراتيجية عليا Grand Strategy، كالاستدامة الاقتصادية وحماية وتعزيز الأمن الوطني، لهذا نرى أن محوري معالجة اقتصاد الظل باستخدام الحلول الرقمية والدور الجمركي بين الأمن وتيسير التجارة، يمثلان وحدهما حلولا استراتيجية جذرية للتستر واقتصاد الظل وأمن الجمارك إضافة إلى أي قضية فرعية تقع في مجال الاستراتيجية العليا التي أشرنا إليها، وننتظر نتائج مناقشاتها في مؤتمرها المقبل.
أخيرا، المؤتمرات الحكومية المتخصصة لها انعكاسات اقتصادية واسعة ولا سيما إذا ما ترافق ذلك مع أداء تنفيذي عال كما في مثال اليوم ـ ثم إن الجمع بين الاستراتيجيات الثلاث المؤسسية والأعمال والوظيفية والسياسة الاقتصادية، وتحويل الطروحات والمناقشات في المؤتمرات إلى مبادرات وشراكات استراتيجية حقيقية، يجعلنا نصدر نماذج أعمالنا الحكومية الناجحة والناشئة أصلا من رؤية المملكة 2030 إلى القطاع الخاص والاقتصاد الإقليمي كشواهد يمكن الاستدلال بها على التطورات التي حدثت في المملكة، ولا سيما في الأجهزة التي تمثل الحمض النووي الاقتصادي DNA ـ إن صح التعبير ـ في الإصلاحات السعودية وتعديل الهيكل الاقتصادي.