Author

التنمية واختيار النموذج المناسب

|
لماذا تنجح التنمية في مجتمع، وتتعثر في مجتمع آخر، إن لم تفشل تماما؟ طرحت هذا السؤال على نفسي بهدف التقرب من الوصول إلى إجابة تكشف السر إن كان هناك سر، ولعله من المناسب بداية الإشارة إلى أن النموذج المعتمد في مجتمع ما قد يكون له دور في النجاح، أو الإخفاق، ولعله من المناسب الإشارة إلى مفهوم النموذج بأنه تصور، ومخطط نظري يستهدف من توظيفه إحداث تغيير في المجتمع بكامله، أو في مجال من المجالات مثل المجال الاقتصادي، أو المجال التربوي، أو في البنية الاجتماعية بكاملها، أو في الوعي الاجتماعي، وتتم عملية توظيف النموذج إما بمحاكاته بشكل تام، وإما بصورة نسبية، حسب ما تقتضيه الظروف، ولتقريب معنى النموذج يمكن التمثيل بمخطط بناء المنزل.
النموذج أيا كان مجاله يتكون من مجموعة عناصر، كل عنصر يرتبط بالعناصر الأخرى بشكل بنيوي، بحيث لو وجد في عنصر من العناصر خلل ما سيؤثر بشكل مباشر، أو غير مباشر في بقية العناصر، ولذا نجد أن نجاح الاستفادة من النموذج يتطلب إصلاح الخلل الذي يوجد في العنصر متى ما تم اكتشافه. كما أن النموذج في العادة يقتضي التسلسل في توظيفه، إذ لا يمكن تطبيقه في فترة واحدة، ذلك أن كل مرحلة تحتاج إلى الوقت الكافي لها لتنضج، وتؤتي ثمارها، كما الشجرة التي تحتاج إلى وقت كاف، لنضج الثمار.
في أدبيات التنمية الاجتماعية توجد نماذج كلية تستهدف تحويل مجتمع ما من وضع إلى وضع آخر مختلف في طريقة تفكير الناس، وفي اتجاهاتهم، وفي عاداتهم، وسلوكهم، وقيمهم، ومن الأمثلة على ذلك النظرية الاشتراكية التي تبنتها الثورة البلشفية في 1917، إذ استهدفت تغييرا كليا في المجتمع من مجتمع إقطاعي لمجتمع اشتراكي مع ما صاحب ذلك من صعوبات في التطبيق تمثلت نتائجها السلبية في انهيار الاتحاد السوفياتي في 1990.
كما يوجد تصنيف آخر للتنمية الاجتماعية يتمثل في النموذج التكاملي، الذي يتمثل في طرح برامج تنمية في مجالات عدة كالتعليم، والصحة، والإسكان، والاقتصاد، ومحاربة الفقر، والزراعة، والصناعة، وذلك على مستوى الوطن بكامله مع التنسيق بين هذه البرامج، فمثلا قد تقدم برامج تعليمية في الزراعة في الوقت ذاته الذي يمارس الناس زراعتهم بالطرق التي اعتادوا عليها، منعا لافتقاد الناس المنتجات الزراعية. أما النموذج الثاني فيتمثل في النموذج التكيفي، وهذا يعني أن ينفذ البرنامج وفق الظروف القائمة في الأنظمة، واللوائح، وذلك لرحابتها في تقبل البرنامج، أو البرامج المزمع تنفيذها، ويتمثل النموذج الثالث فيما يعرف بنموذج المشروع، وهذا يعني أن برنامجا محددا من الضرورة بمكان تنفيذه على مستوى المجتمع، أو مخصصا في منطقة ما، ومن الأمثلة على ذلك برنامج توطين البادية في الهجر، الذي نفذ في وقت الملك عبدالعزيز، إذ تم في كل المناطق أينما وجد الرحل، أما المشروع الخاص في منطقة محدده فكان المشروع الصحي لمحاربة الملاريا في منطقة جازان لكثرة المستنقعات في حينه.
نجاح التنمية يتطلب فريق عمل مقتدرا لتنفيذ برنامج التنمية المخطط له، كما أن التقبل الاجتماعي عموما للبرنامج يمثل رافعة قوية لنجاح النموذج، ولعل بناء النموذج على أسس سليمة تراعي مقومات المجتمع، وثقافته يسهم في تحقيق الأهداف التنموية، إن تبصير المجتمع بأهمية البرنامج التنموي، وجعلهم جزءا أصيلا في تنفيذه، سيجنب البرنامج الانتكاسات الناجمة عن معوقات ثقافية، أو نفسيه، أو إدارية، كما في حالة التنافس بين الأجهزة المتعددة لتداخل الصلاحيات، وتأثير المصالح الشخصية الضيقة، إن مستوى تعليم المجتمع عموما، وإدراكهم أهمية التنمية بشكل عام، وأهمية البرنامج المراد تنفيذه، تساعد على تنفيذ البرنامج وفق أهدافه، والعكس صحيح، كما يقول المثل الإنسان عدو ما جهل.
المجال التعليمي يوجد فيه كثير من النماذج التي تفسر التعلم، وآلياته، ومنها النماذج السلوكية، والكلاسيكية، والبنائية، والتعلم التراكمي، ونموذج الإدراك الاجتماعي، ومعالجة المعلومات، ونمو نظرية بياجيه، استيعاب التعلم، ويضاف إلى نماذج تفسير التعلم نماذج مرتبطة بتقويم واقع التعليم في عملياته، ومدخلاته، ومخرجاته وأهدافه وفلسفته، ونظامه.
إنشرها