التحقق من صحة الافتراضات «2»
كان استخدام البيانات الجزئية المعنية بجمود الأسعار من أولى المحاولات المهمة لإيمي وجون في توسيع نطاق مجموعات البيانات. تقول إيمي، "تعد افتراضات تحديد الأسعار عناصر أساسية. ويمثل جمود الأسعار أو مرونتها الكاملة خطا فاصلا كبيرا بين النماذج الاقتصادية التي تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية الجديدة التي لا يكون للسياسة النقدية فيها أي تأثير، وبين النماذج الكينزية التي يكون للتنشيط النقدي والمالي فيها تأثيرات كبيرة. وبدا من الطبيعي أن نبحث في البيانات الجزئية للحصول على مزيد من المعلومات حول هذه التساؤلات".
وقد توصل مارك بيلز من جامعة روتشستر وبيتر كلينو من جامعة ستانفورد في دراسة سابقة لهما "2004" إلى أن الأسعار تتغير بوتيرة أسرع مقارنة بالتقديرات بالسابقة، حيث يظل نصف الأسعار ثابتا لأقل من 4.3 شهر. ورغم أن دراستهما كانت الأولى من نوعها التي تستخدم البيانات الجزئية الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل، لم يستخدم الباحثان سوى مقتطف من بيانات "1995 ـ 1997". وفي دراستهما Five Facts about prices (2008) التي تعد من أكثر أبحاثهما التي يستشهد بها، استخدمت إيمي وجون البيانات الجزئية الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل، وقاما بتوسيع نطاق مجموعة البيانات لتشمل الفترة من 1988 إلى 2005.
وقد كانت مهمة شاقة تضمنت البحث في أكوام من الأوراق يعلوها التراب داخل غرفة بلا نوافذ في مكتب إحصاءات العمل، لكنهما اكتشفا من خلال التمييز بين الأسعار العادية وتخفيضات الأسعار المؤقتة خلال مواسم التخفيضات، أن الأسعار العادية كانت أكثر جمودا مما افترضته تقديرات بيلز وكلينو. وبعبارة أخرى، تبين أن الأسعار كانت تتغير استجابة للعرض والطلب بوتيرة أقل مقارنة بتقديرات أسلافهما عند استبعاد التخفيضات الترويجية من المعادلة.
تقول إيمي، "كانت تغيرات الأسعار ضمن البيانات أكثر تعقيدا بكثير مما كانت عليه في النماذج الكلية. وكثير من هذه التغيرات كانت تخفيضات مؤقتة وعادت الأسعار إلى أصلها لاحقا، الأمر الذي يعني أنها لم تكن بالمرونة السعرية الكاملة التي تصورها البعض. وفي الوقت نفسه إذا بحثت في الأسعار العادية مع استبعاد التخفيضات، ستجد أن الواقع يتسق مع تنبؤات بعض النماذج، حيث كانت الأسعار تتغير بوتيرة أكبر خلال الفترات التي شهدت ارتفاعا في مستويات التضخم". ولهذه النتائج عديد من الانعكاسات، بما في ذلك كيفية المراقبة الدقيقة لتغيرات الأسعار على مستوى الاقتصاد وأهمية تدخل السياسات في إدارة الاقتصاد.
وقد تأثر تحليل تغيرات الأسعار والتضخم إلى حد ما لاشتمال قاعدة البيانات على فترة تراجع نسبي في مستويات التضخم. وبعد عقد من الزمان، وفي دراسة The Elusive Costs of Inflation (2018)، بحثت إيمي وجون ومؤلفون مشاركون في الفترات التي ارتفعت فيها معدلات التضخم ما بين 1977 و1988. وفي هذه الحالة، كان جمع البيانات أكثر صعوبة وتضمن صناعة محول ميكروفيلم خصيصا لهذا الغرض. وقد آتت هذه الجهود ثمارها، حيث أكد الباحثون بشكل قاطع أن الأسعار العادية قد خضعت للتعديل بشكل متكرر خلال فترات ارتفاع التضخم اتساقا مع النماذج القياسية.
وفي أحدث عمل لهم بعنوان The Slope of the Phillips Curve (2022)، تناول الباحثون موضوع التضخم مجددا. وتستند الدراسة إلى التحليل الذي اضطلع به مختبر السياسات الكلية Macro Policy Lab الذي يجري أبحاثا قائمة على البيانات والسياسات في مجال الاقتصاد الكلي، حيث يعمل كل من إيمي وجون كباحثين رئيسين. وفي 1978، اكتشفت إيمي وجون بالتعاون مع عدد من المؤلفين المشاركين ميلا بسيطا في منحنى فيليبس، الذي يوضح العلاقة بين البطالة والتضخم، وتراجع هذا الميل قليلا منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
ويعني ذلك أن تراجع التضخم في أوائل حقبة الثمانينيات من القرن الماضي لم يكن يتعلق بارتفاع البطالة، بل بتوقعات المواطنين حول التضخم، التي أمكن تثبيتها حول الركيزة المستهدفة بفضل النظام النقدي الجديد الذي وضعه بول فولكر رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي آنذاك. وخلصت إيمي إلى أن "أهمية ذلك بالنسبة إلى السياق الحالي تكمن في التركيز على توقعات التضخم طويلة الأجل والثقة بالنظام النقدي، وهي عناصر يتعين الحفاظ عليها". وتكتسب هذه الإشارات أهمية خاصة في الوقت الحالي الذي تحاول فيه البنوك المركزية كبح جماح التضخم في ظل تراجع النمو ... يتبع.