الجائحة والتضخم وإفلاس الشركات
تعكس حالات الإفلاس في بلد كألمانيا، الحالة العامة على الساحة الغربية بشكل عام. فمعدلات إفلاس الشركات ارتفعت على الساحة الأوروبية بصورة كبيرة في العامين الماضيين، والأمر كذلك في بريطانيا التي تعاني أزمة اقتصادية تفوق بعض الشيء تلك التي تضرب الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. لكن الأرقام الآتية من ألمانيا، جلبت معها كثيرا من الدلالات، في مقدمتها أن هذا البلد يعد الأقل تأثرا بالأزمة الراهنة فيما لو استبعدنا مشكلات الطاقة، كما أن المؤسسات الألمانية تسجل نتائج إيجابية مقارنة بمثيلاتها على الساحة الأوروبية. أضف إلى ذلك، أن ألمانيا تبقى متصدرة قائمة أكبر الاقتصادات الأوروبية بفارق كبير بينها وبين الدولة التي تليها بريطانيا. والحكومة الألمانية حققت نجاحات في الأشهر الماضية في معالجة مسائل تتعلق بإعسار شركات ومؤسسات، خصوصا تلك التي تندرج تحت توصيف الصغيرة والمتوسطة.
ورغم أن حالات إفلاس الشركات في ألمانيا ارتفع بصورة طفيف في الشهر الماضي، إلا أن ذلك يعد مؤشرا سيئا في الوقت الذي تعيد فيه البلاد الأمور الاقتصادية إلى نصابها. اللافت، أن التوقعات كلها بما فيها الرسمية منها، تتوقع مزيدا من حالات الإفلاس هذه في العام المقبل. في غضون تسعة أشهر فقط تم الإعلان عن إفلاس عشرة آلاف و600 شركة، في حين بلغت مطالبات الدائنين نحو 11 مليار يورو. ومع ذلك، يتبقى أقل من عدد الحالات في بريطانيا وتحديدا في إنجلترا وويلز. ففي الربع الثاني من العام الجاري تم الإعلان عن إفلاس 5629 شركة، وهو أعلى معدل منذ عام 2009 الذي شهد الأزمة الاقتصادية العالمية، التي تسببت (كما هو معروف) في خروج مئات الآلاف من الأعمال من السوق.
إلا أن الوضع في ألمانيا ليس سهلا في هذا الميدان الحساس، لأنه مرتبط بسمعة الحراك الاقتصادي العام، في وقت تحتاج فيه الحكومة (أي حكومة) إلى مؤشرات دافعة للأمام لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذه الأخيرة يبدو أنها لن تتوقف قريبا، في ظل الضغوط المتصاعدة للموجة التضخمية العاتية. دون أن ننسى بالطبع أن أزمة الشركات كلها، انطلقت مع تفشي جائحة كورونا، التي فرضت الإغلاقات المتكررة، وتوقف الأعمال بصورة شبه تامة. ورغم أن الوضع تحسن بعض الشيء بعد ذلك، إلا أن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة أعادت المشهد إلى الساحة على صعيد الشركات والأفراد والحكومات في آن معا. فعمليات الإنقاذ الحكومية أسهمت بالطبع في الإبقاء على نسبة كبيرة من الشركات ضمن نطاق السوق، إلا أنها لم تشملها كلها، لأسباب تتعلق بتوافر التمويل الحكومي بالطبع، وأحقية هذه الشركة أو تلك بالإنقاذ.
أما لماذا تتصاعد موجة الإفلاس هذه الآن على الساحة الألمانية؟ فلأن فترة السماح بعدم تقديم ملفات الإفلاس (بسبب كورونا) انتهت فعلا، فصار من الواجب على أي شركة مهما كان حجمها أن تتقدم إلى المكاتب المختصة وتعلن حالات الإعسار التي تمر بها، بما في ذلك بالطبع الديون المتراكمة عليها، وارتفاع فوائد القروض مع الزيادة المتواصلة للفائدة. لا شك في أن الحكومة الألمانية ستجد حلا لهذه الأزمة، لكن في النهاية ستواجه مشكلات جمة تتعلق بارتفاع عدد العاطلين عن العمل، في وقت تواجه فيه (كغيرها من الحكومات حول العالم) موجة تضخم هائلة. فضلا عن الركود الذي بات يتصاعد في ميدان العقارات والإيجارات ذات الصلة بهذه الشركات، ولا سيما الصغيرة منها والمتوسطة. فهذا النوع من المؤسسات يمثل محورا رئيسا في الاقتصاد الألماني، كغيره من الاقتصادات الأخرى المتقدمة.