تفوق دولة نامية على بلد صناعي .. إندونيسيا وأستراليا مثالا

بداية لا بد من التنويه إلى أن التفوق المشار إليه في عنوان المقال يختص بحقل واحد هو صناعة مكونات السيارات الكهربائية التي تبدو أنها صناعة المستقبل في ظل اهتمام دول العالم بالبيئة، وبالتالي سعيها إلى إحلال السيارات الكهربائية تدريجيا مكان المركبات التقليدية الميكانيكية.
والمعروف أن الأمر يتطلب استبدال المحرك الأصلي للمركبة بمحرك كهربائي مع المحافظة على المكونات الأخرى، وهذا بدوره يستدعي توفير بطاريات يعاد شحنها بالكهرباء وتكون خفيفة وأسعارها في متناول اليد، بديلا عن بطاريات الليثيوم الثقيلة مرتفعة الثمن التي تستخدم منذ 2009 في السيارات الكهربائية الصغيرة.
جملة القول، إن مصانع سيارات عديدة في العالم باتت تتنافس اليوم في تلبية هذه المواصفات وتطوير ما يمكن تطويره، ولا سيما لجهة المسافة التي تقطعها السيارة الكهربائية دون إعادة شحن بطاريتها مع خفض مدة الشحن إلى أقصى حد ممكن.
وحينما نبحث عن إنتاج مثل هذه المركبات في آسيا، نجد أن أستراليا، التي تعد نفسها دولة آسيوية بحكم موقعها الجغرافي، تمتلك جميع مكونات إقامة صناعة السيارات الكهربائية، فهي مثلا تملك احتياطيات ضخمة من المكونات الخمسة المطلوبة في هذه الصناعة "النيكل والليثيوم والمنغنيز والكوبالت والجرافيت"، كما أنها تتمتع ببنية تحتية صناعية قوية وقوى عاملة ماهرة وخيارات الطاقة المتجددة. فلماذا يلاحظ تخلفها في هذا المجال مقارنة بجارتها الإندونيسية الأقل إمكانات والأضعف اقتصادا، وتعد دولة نامية مكبلة بمشكلات لا حصر لها؟
الذين حاولوا الإجابة عن هذا السؤال، وجدوا أن الحكومة الأسترالية السابقة، بقيادة سكوت موريسون، ظلت طوال فترة وجودها في السلطة معادية للمركبات الكهربائية ومسألة التحول من وقود البنزين إلى الكهرباء، بل لم تتعاط بجدية مع موضوع وضع حد أدنى من معايير كفاءة الوقود وفرض ضرائب استيراد مرتفعة. هذا فضلا عن عامل آخر يتمثل في ارتفاع تكاليف العمالة في أستراليا. من ناحية أخرى، اتجهت أستراليا إلى بيع بعض مكونات هذه الصناعة، ولا سيما مكونات بطارياتها إلى الخارج دون قيود، في الوقت الذي أقرت فيه جاكرتا قانونا جديدا للتعدين في 2014 يقيد تصدير معادن البلاد الخام "تحديدا احتياطياتها الضخمة من معدن النيكل في جزر سولاويزي وملوكو" بدعوى ضرورة تصنيعها داخليا بمساعدة دول صديقة، لأن العائدات حينئذ ستكون أكبر بكثير مما لو تم تصديرها إلى الخارج.
وهكذا، حينما شهد العالم ولادة عصر السيارات الكهربائية وارتفاع مبيعاتها في أوروبا، كانت الاستثمارات الصينية والكورية الجنوبية جاهزة للقدوم إلى إندونيسيا، ما سمح للرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ومستشاريه الاقتصاديين، بأن يتبنوا فكرة تحويل أرخبيلهم إلى قوة طليعية في ثورة السيارات الكهربائية على المستوى الآسيوي على الأقل، وذلك باستخدام خامات وعمالة محلية وأموال وتقنيات أجنبية، بينما لم تتخذ الحكومة الأسترالية أي خطوة إلى الأمام على هذا الصعيد.
الجدير بالذكر في هذا السياق، أن ويدودو جوبه بمعارضة ومخاوف من لدن بعض المنظمات والأحزاب المحلية لارتماء البلاد في أحضان المستثمرين الصينيين في هذا المجال وغيره، لكن ما حدث أن الساعد الأيمن للرئيس وكبير وزرائه لشؤون الاستثمار الجنرال السابق لوهوت بانجايتان، أقنع رئيسه بالمضي قدما في الخطة دون التفات إلى مخاوف وقلق المعارضين، قائلا في تصريح شهير له، "لقد دعونا الجميع ولم يأت أحد غير الصينيين، وهم موضع ترحيب ويمكن التعامل معهم بسهولة ومرونة".
في المقابل ـ وكما جادل المفكر الأسترالي المعروف دونالد هورن ذات يوم ـ فإن أستراليا مثقلة بزعامة سياسية مترددة وعديمة الإبداع وقليلة المبادرات من الدرجة الثانية، بل لا تؤمن بأن دور الدولة هو أن تأخذ زمام المبادرة في الأعمال، "أي على العكس من إندونيسيا".
وكنتيجة لهذا الاختلاف بين القيادتين الإندونيسية والأسترالية لجهة سرعة المبادرة والتقاط الفرصة، قرأت في الصحافة الآسيوية أخيرا ما يفيد بأن الأستراليين سيستيقظون قريبا على ثمرة المبادرة الإندونيسية ممثلة في أول مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في جنوب شرق آسيا. والمصنع، هو مشروع مشترك بقيمة 1.1 مليار دولار بين مجموعة إل جي وشركة بوسكو الكوريتين الجنوبيتين، وهوايو القابضة الصينية، وكونسورتيوم "إندستري باتيراي" الإندونيسية المملوكة للدولة. ومن المقرر أن يبدأ المصنع إنتاج بطاريات لمصنع أقامته شركة هيونداي الكورية الجنوبية بالقرب من جاكرتا لتجميع السيارات الكهربائية بتكلفة 1.5 مليار دولار.
الحقيقة أن هذا المصنع لن يكون المصنع الوحيد من نوعه في إندونيسيا. ذلك أن شركات مركبات أخرى يابانية وألمانية اتفقت مع عمالقة صناعة البطاريات في الصين على بناء مصانع أخرى للسيارات الكهربائية داخل إندونيسيا. ولعل ما يشجعها ليس العمالة الرخيصة فحسب، وإنما أيضا توافر خام النيكل ومراكز لمعالجته، "تعد إندونيسيا أكبر دولة منتجة للنيكل في العالم، ففي العام الماضي أنتجت 950 ألف طن أو 35 في المائة من الإنتاج العالمي".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي