أنظار الأسواق على الفائدة

لا شيء يدفع الأسواق عموما إلى انتعاش وحراك بديناميكية عالية، سوى سياسة أمريكية مستقرة حيال الفائدة. في الأشهر الماضية، وجدنا كيف أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"، كان يتسبب في تراجعات كبيرة في أداء هذه الأسواق في كل مرة يقدم فيها على رفع الفائدة.

وهذا البنك - كغيره من البنوك المركزية الأخرى في الاقتصادات المتقدمة - اتبع سياسة زيادة الفائدة لكبح جماح الموجة التضخمية العالية التي لا تزال تضرب حول العالم، وذلك بعد نحو عقدين من اعتماد فائدة أقرب إلى الصفر، للحفاظ على النمو.

وفي ظل هذا المستوى المتدني للفائدة، ظهر ما أصبح يعرف بالمال "الرخيص" أي: الاقتراض دون أعباء مرتفعة. فالتيسير النقدي انتهى في ظل التضخم المتصاعد، وحل مكانة التشديد النقدي الذي قضم بالطبع النمو، ويهدد باستمرار حالة الانكماش الاقتصادي لفترة لن تكون قصيرة، ربما استمرت أعواما أخرى.
في الأيام الماضية شهدت الأسواق موجة من الانتعاش، لا لشيء سوى لأن جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، أشار إلى أن هيئة المشرعين الماليين ربما ستعيد النظر بعض الشيء في عمليات رفع الفائدة في منتصف الشهر الجاري.

الرجل لم يتحدث بالطبع عن خفض هذه الفائدة، فالحالة العامة تتطلب الإبقاء على التشديد النقدي، لكنه تناول إمكانية رفعها بمستويات أقل مما اعتاد عليه في الاجتماعات الدورية السابقة.

أي: تهدئة الزيادة، خصوصا مع تحسن لافت في مستويات التضخم على الساحة المحلية الأمريكية، حيث سجل مؤشر أسعار المستهلكين 7.7 في المائة. ورغم أن هذا المستوى ليس مضمونا في العام المقبل، إلا أن "المركزي الأمريكي" يعتقد أنه لا بد من النظر في مسألة إبطاء مستويات زيادة الفائدة، حتى من منطلق التجربة والترقب.
ورغم أنه ليس هناك ما يضمن رفعا متواضعا للفائدة في المراجعة الدورية هذا الشهر، إلا أن الأسواق الرئيسة حول العالم، شهدت حراكا افتقدته في الأشهر القليلة الماضية.

فأي رفع للفائدة الأمريكية ينعكس سلبا على الأسواق، لأن ذلك يدفع رؤوس الأموال للخروج منها، وإعادة ضخها في ساحات يمثل الدولار محورا استثماريا أساسيا فيها.

في الأشهر السابقة تدفقت أموال من خارج الولايات المتحدة إلى البلاد بسبب الفائدة المرتفعة التي لم تعتد الأسواق عليها طوال أعوام خلت. لكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن الضمانات باستمرار انتعاش الأسواق ليست متوافرة في الوقت الراهن.

فالمشرعون الأمريكيون لن يترددوا في زيادة الفائدة بمعدلات كبيرة إذا ما وجدوا أنهم لا يستطيعون خفض وتيرة ارتفاع التضخم.
والخسائر التي منيت بها الأسواق في العام الجاري الذي بدأت فيه أسعار الفائدة بالارتفاع، كبيرة للغاية، ويتطلع القائمون على هذه الأسواق تعويض بعض منها قي العام المقبل، خصوصا إذا ما هدأت بالفعل الضغوط التضخمية.

لكن في النهاية هناك فائزون من المشهد المالي الأمريكي العام الذي صبغ هذا العام، وهم مديرو صناديق التحوط، الذين حققوا مكاسب كبيرة من جهة الدولار، ولم ينخرطوا بقوة في ساحة السندات الحكومية.

كل الأمل أن يعلن "الفيدرالي الأمريكي" رفعا في حدود 0.5 في المائة، وإن توقع البعض أن تصل الزيادة إلى 0.75 في المائة. والأمل كبير لأن بعض مؤشرات التشغيل في الولايات المتحدة تدعم الاتجاه نحو رفع أقل من المعتاد للفائدة، وإن كانت تبعات التضخم لا تزال حاضرة على الساحة المحلية.

الأسواق تحتاج إلى تخفيف أعباء الاقتراض بأي صورة كانت، وهي تنتظر ما ستؤول إليه سياسة المشرعين الأمريكيين الذين باتوا منفتحين لأول مرة على إعادة النظر في سياسة الفائدة، التي أصبحت السلاح الوحيد أمامهم للوقوف في وجه الموجة التضخمية العاتية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي