Author

سياسات مالية منفلتة

|

تعاني أوروبا حالة تعارض شديدة بين سياستها النقدية وسياستها المالية، فبينما يحتاج الجناح النقدي إلى السيطرة على تسارع التضخم في أوروبا، الذي تجاوز 10 في المائة في بعض الدول، يأتي الجناح المالي ببرامج مالية تؤدي في حقيقتها إلى زيادة السيولة ومفاقمة حالة التضخم. لذا نجد رئيسة البنك المركزي الأوروبي تحذر مرارا وتكرارا من أن السياسات المالية للحكومات الأوروبية ترفع من حدة الطلب في الاقتصاد، في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا أزمات خانقة في جانب العرض.

تأتي السياسات المالية المنفلتة التي تتحدث عنها لاجارد نتيجة الضغوط الموجهة إلى السياسيين الأوروبيين من قبل الناخبين، ولذا نجد أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي ارتفعت في المتوسط من 70 في المائة في 2000، إلى نحو 95 في المائة حاليا.

الحكومات الأوروبية مضطرة إلى إصدار الديون بشكل مستمر لسد عجز الميزانيات لديها، وهي مقيدة بحسب اتفاقية النمو والاستقرار الأوروبية المقرة في 1997 بألا تتجاوز نسبة العجز في الميزانية 3 في المائة من الناتج المحلي للدولة، إلا أن هذه الاتفاقية أوقفت بسبب جائحة كورونا، ما تسبب في وصول متوسط العجز إلى نحو 7 في المائة في 2020. نسبة الدين إلى الناتج المحلي في أوروبا تتجاوز الحد المقرر لها في اتفاقية النمو والاستقرار الأوروبية بواقع 60 في المائة كحد أقصى.
عندما تقترض الحكومات الأوروبية من خلال إصدار أدوات الدين، فإن البنك المركزي يقوم بشراء هذه الديون، وبالتالي ينتج عن ذلك ضخ مزيد من السيولة في القطاع البنكي وتعطيل جهود البنك في رفع مستويات الفائدة، وهذا سبب امتعاض البنك المركزي الأوروبي من السياسات المالية للحكومات الأوروبية.
المشكلة التي تواجه الاتحاد الأوروبي ليست وليدة اللحظة، بل منذ إطلاق مفهوم التكامل الاقتصادي والوحدة النقدية كانت هناك تحديات كبيرة تواجه هذا الكيان الجديد، أهمها كيفية السيطرة على قرارات سيادية مستقلة، بحيث لا تشكل تهديدا للكيان الاقتصادي ككل.

وعلى الرغم من ضوابط اتفاقية النمو والاستقرار إلا أن نسبة التزام الدول بالضوابط المالية كانت دوما أقل من المتوقع، حيث يقدر أن نحو 50 في المائة من الضوابط تم الالتزام بها، علما بأن جميع الدول الأوروبية سمح لها بتجاوز هذه الضوابط في 2020. لذا هناك من يطالب بتعديل قوانين الاتحاد لأخذ الدورات الاقتصادية في الحسبان، بحيث يمكن للدول تجاوز النسب المحددة بحسب واقع الدورة الاقتصادية في كل دولة، وفي الاتحاد الأوروبي عموما.
تتميز المملكة العربية السعودية بأن هناك تناغما بين السياسة النقدية التي يشرف عليها البنك المركزي "ساما" والسياسة المالية التي تشرف عليها وزارة المالية. وقد رأينا وقت اندلاع أزمة كورونا كيف أن البنك المركزي قام بضخ 50 مليار ريال في القطاع البنكي لدعم السيولة في ذاك الوقت، حيث احتاجت البنوك المحلية إلى سيولة مؤقتة، بسبب التراجع المتوقع للقطاع الخاص بسبب الأزمة.
هذه الأيام - وبحسب بعض التقارير الواردة من وكالات الأنباء - يقوم البنك المركزي السعودي باستخدام أدوات السوق المفتوحة والمتاحة لديه، لضخ السيولة في القطاع المصرفي الذي يعاني ارتفاع معدل "سايبور"، وهو المعدل الذي يستخدم من قبل البنوك المحلية للاقتراض فيما بينها.

وبحسب آخر التقارير الصادرة من البنك المركزي لتشرين الأول (أكتوبر)، يظهر هناك تراجع في حجم الودائع تحت الطلب بنحو 66 مليار ريال عن أيلول (سبتمبر)، وتراجع بنحو سبعة مليارات ريال في عرض النقود "ن2"، لكن مع ارتفاع في عرض النقود الشامل "ن3" بمقدار خمسة مليارات ريال.

إنشرها