Author

فلسفة القناعة

|

هناك عديد من الصفات والأخلاق التي إذا تخلق بها الإنسان أكسبته المهابة وألبسته لباس السعادة. ومن تلك الأخلاق خلق عظيم وأدب رفيع من تخلق به اطمأن قلبه وسكنت جوارحه وهدأت نفسه. إنه خلق القناعة الذي بكل أسف آخذ في الاضمحلال مع إقبال الناس الشديد على الدنيا وتكالبهم عليها وضعف الرضا عندهم بما قسم الله لهم وقدر عليهم. عندما غابت القناعة زاد الجشع والطمع وما اكتوت المجتمعات بنيران الحسد والكراهية والبغضاء إلا بسبب فقدان القناعة. إنها استغناء بالموجود وترك التشوف إلى المفقود وهي الرضا بما كتبه الله وأعطاه وقسمه، وهي استغناء بالحلال عما سواه وهي امتلاء القلب بالرضا والبعد عن التسخط والشكوى. القناعة لا تعني بالضرورة أن يكون الإنسان فقيرا لأن الغني بحاجة أيضا إلى القناعة وقناعته أن يكون شاكرا غير جاحد ولا ظالم، أمواله في يده وليست في قلبه. إن ربح شكر وإن خسر رضي. الفقير هو الآخر بحاجة إلى القناعة وقناعته أن يكون راضيا بما قسم الله له لا ساخطا ولا شاكيا ولا جازعا من حاله، غير متطلع إلى ما عند الآخرين، مكتفيا بقليل الحلال عن كثير ما سواه. القناعة شفاء من الكراهية والحسد وشفاء من الهموم والأحزان. الرسول -صلى الله عليه وسلم- رغب في القناعة وحث عليها، ففي الحديث "قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه". القناعة الحقيقية هي قناعة القلب فمن اغتنى قلبه اغتنت يداه ومن افتقر قلبه لم تغنه الدنيا بحذافيرها. من قنع لم يتسخط وعاش آمنا راضيا مطمئنا. لاكتساب القناعة أسباب من أهمها اليقين بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق، "وفي السماء رزقكم وما توعدون". وأن يتذكر الإنسان أن الدنيا إلى زوال وأن متاعها إلى فناء، وأن ينظر إلى من هو أقل منه فهو أجدر ألا يزدري نعمة الله عليه، وأن يعود نفسه على الاقتصاد في الإنفاق.
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقد قيل في الأمثال "القناعة كنز لا يفنى"، وصدق القائل:
إن القناعة من يحلل بساحتها
لم يلق في دهره شيئا يؤرقه
وبالطبع القناعة لا تعارض الطموح بحال من الأحوال، لكنها هي حدود الممكن للطموح. وما من شك أن القناعة ستوفر لنا جميعا الوقت الكافي للتمتع بالحياة.

إنشرها