صعود وسقوط المؤسسة التجارية النافعة اجتماعيا «1 من 2»

في كتابه الجديد "المسيرة المتخاذلة نحو المدينة الفاضلة"، يشير الخبير الاقتصادي جيه. برادفورد ديلونج إلى أن "مختبرات البحوث الصناعية والمؤسسة التجارية الحديثة"، كانت المفتاح إلى إطلاق العنان لزيادة جذرية في معدل الإبداع العملي والتكنولوجي، وبالتالي النمو الاقتصادي، بداية من 1870 فصاعدا. وهو محق في ذلك. كما عد ديلونج معاهدة ديترويت، وهي التسوية البارزة في 1950 بين شركة جنرال موتورز ونقابة "عمال السيارات المتحدون"، ركيزة أساسية للديمقراطية الاجتماعية على النمط الأمريكي خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لكن ماذا حدث للشركات العملاقة التي فتحت الباب لعقود من الزمن من النمو في حين عملت على رعاية التأمين الصحي ومعاشات التقاعد لموظفيها؟
مع حلول الاكتشاف العلمي محل أعمال السمكرة الميكانيكية كأساس للإبداع الحقيقي في أواخر القرن الـ19، كانت الشركات التي تولدت عن الثورة الصناعية الثانية "الصلب، والسكك الحديدية، والإنتاج الضخم" هي التي وفرت التمويل اللازم للبحوث. كتب ديفيد مويري وناثان روزنبرج في كتابهما المشترك بعنوان "التكنولوجيا والسعي وراء النمو الاقتصادي"، "في شركات مثل شركة الهاتف والتليجراف الأمريكية، أو جنرال إلكتريك، أو الأمريكية للصلب، أو DuPont، كان تطوير مكتب مركزي قوي مرتبطا بشكل وثيق بتأسيس منشآت بحثية مركزية أو توسعها بشكل كبير".
من خلال تخصيص أرباحها الاحتكارية للبحث العلمي وتطوير التطبيقات التكنولوجية، وسعت هذه الشركات قوتها السوقية في حين خدمت أيضا غرضا اجتماعيا أكبر. قبل الحرب العالمية الثانية، لم يتحقق هذا الغرض بوساطة الحكومة الأمريكية، التي بدءا من إدارة لينكولن لم تقدم الدعم الفيدرالي إلا للأبحاث في قطاع الزراعة. بحلول 1940، كانت الحكومة الأمريكية تخصص قدرا من التمويل للبحوث الزراعية أكبر من كل ما تخصصه الهيئات التأسيسية التي شكلت وزارة الدفاع بعد الحرب.
سواء كانت تدين بمراكزها لاتفاقيات مع الحكومة الفيدرالية "شركة AT&T"، أو احتكارات براءات الاختراع RCA وXerox، أو خليط من البحوث المبدعة والهيمنة التجارية DuPont وIBM، كان بوسع مختبرات الأبحاث الرائدة أن تتحمل تكاليف الاستثمار في المنبع في العلوم الأساسية التي قد تنشأ منها الإبداعات التكنولوجية ذات الأهمية التجارية.
ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية، فانخفض معدل البطالة إلى 1 في المائة، واضطر كبار أرباب الأعمال في الولايات المتحدة، الذين قيدتهم ضوابط الأجور، إلى التنافس بشراسة على العمالة. وبفضل التسوية العملية مع الحكومة، سـمـح لهم بتقديم مزايا هامشية، مثل التأمين الصحي ومعاشات التقاعد ذات المزايا المحددة. كان هذا في حكم الممكن بفضل المعاملة الضريبية غير المتماثلة لهذه المزايا، إذ كان بوسع أرباب العمل خصم التكاليف، ولم يكن لزاما على الموظفين إدراجها كدخل.
كانت معاهدة ديترويت بمنزلة تصديق في وقت السـلم على التسوية وإشارة عريضة إلى القطاع الخاص، حيث بلغت عضوية النقابات ذروتها في خمسينيات القرن الـ20 عند نحو ثلث القوة العاملة. وقد وسعت بشكل جذري الدور الذي اضطلعت به الشركات المهيمنة في المجتمعات التي كانت تتخذها مقرا لها ـ كان ذلك هو العصر الذي سبق هيمنة أولوية المساهمين على فكر إدارة الشركات.
لكن في غضون جيل واحد، خضعت الأرباح الاحتكارية المتاحة لتمويل مشاريع البحث والتطوير والمنافع الاجتماعية لضغوط متنامية. واستسلمت شركات التكنولوجيا العظيمة من حقبة الحرب العالمية الثانية الواحدة تلو الأخرى لقوى التدمير الخلاق التي تحدث عنها شومبتر فضلا عن فرض قوانين مكافحة الاحتكار الفيدرالية ... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي