Author

العملات المشفرة واستهلاك الكهرباء .. هل يجب أن نقلق على البيئة؟ «1من 2»

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تحدثنا في المقال السابق عن ثورة العملات المشفرة وكيف أنها بدأت مع مؤسس البيتكوين، ساتوشي ناكاموتو، الذي كان يرمي إلى إنشاء منصة مدفوعات لا مركزية من شأنها أن تحدث ثورة في كيفية شراء وبيع كل شيء والقضاء على الوسطاء، وقام حينها بسك أول عملة مشفرة في العالم في 2009. وبعد مرور عقد من الزمان، لا يمكن إنكار أن عملة البيتكوين أصبحت سائدة، لكن ربما ليس بالطريقة التي تخيلها ناكاموتو. لقد أصبحت العملات المشفرة إلى حد كبير أصولا للمضاربة ومطية للثراء السريع، بل جانبا من جوانب الاحتيال وحرق رأس المال، لأن المستثمرين يرونها ذهبا رقميا، ما حداهم إلى بيع ممتلكاتهم لتحقيق أرباح سهلة في المستقبل. ويتطلب الحصول على العملات المشفرة عن طريق الشراء المباشر من السوق أو بيع ممتلكات مقابل العملة المشفرة أو التنقيب عنها باستخدام أجهزة حاسوبية متطورة جدا، وتحتاج إلى طاقة وتبريد مكثف، ومن هنا يأتي الأثر الدامي من العملات المشفرة بعواقب تتمثل في الاستهلاك العالي للكهرباء والعبء البيئي.
دعونا نتحدث عن آلية التنقيب عن العملات المشفرة Crypto Mining، ولماذا تتطلب كثيرا من الطاقة؟ عندما نقوم بالتنقيب عن عملة البيتكوين مثلا، فإن أول ما نفعله هو التحقق من سجل معاملات جديدة إلى سلسلة الكتل أو بلوكتشين الذي يمثل الدفتر المصرفي اللامركزي حيث يتم تداول عملة البيتكوين وتوزيعها. ولإنشاء هذا السجل الجديد، يحتاج المنقبون إلى حل معادلات معقدة تم إنشاؤها بوساطة سلسلة الكتل. ويتسابق عشرات الآلاف إلى كسر الشفرة لكن أول شخص يحل المعادلة يحصل على العملة المشفرة. وكلما كانت قوة الحوسبة أسرع، كانت الفرص في الفوز أفضل، لذا فإن حل المعادلة المعقدة يتطلب أولا معدات قوية تستهلك قدرا كبيرا من الطاقة. والمتهم الأول هو العملات المشفرة حيث يتطلب التنقيب عنها أجهزة حاسوبية متقدمة، ولا يمكن إنجاز ذلك على أجهزة الحاسب التقليدية المعروفة لدينا. ولا يعني التنقيب عن العملات المشفرة مجرد انبعاثات غازية، فالأجهزة الحاسوبية القديمة تتراكم أيضا، لأن المنقبين يبحثون عن أحدث الآلات وأسرعها ما يتسبب في تحدي النفايات الإلكترونية. وستتضاعف القوة الحاسوبية لأجهزة التنقيب في الأعوام المقبلة ما يجعل الآلات تتقادم ويعفو عليها الزمن، وعليه ستشكل العملات المشفرة مصدرا لنفايات إلكترونية خصوصا في الدول النامية.
في الفترة من 2018 إلى 2022، نما الاستهلاك السنوي للكهرباء جراء استخدام العملات المشفرة في العالم بسرعة، مع تضاعف تقديرات استخدام الكهرباء إلى أربعة أضعاف. واعتبارا من آب (أغسطس) 2022 حسب موقع البيت الأبيض، تراوح التقديرات المنشورة لإجمالي استهلاك الكهرباء العالمي للعملات المشفرة بين 120 إلى 240 تيرا واط في الساعة سنويا، وهذا يتجاوز إجمالي الاستهلاك الكهربائي السنوي لعديد من الدول مثل الأرجنتين أو أستراليا، ويعادل 0.4 إلى 0.9 في المائة من الاستهلاك العالمي السنوي للكهرباء. وحددت بعض التقديرات إلى أن التنقيب عن عملة البيتكوين يستهلك الكهرباء بمعدل سنوي يبلغ 127 تيرا واط في الساعة في العالم. وتستهلك عمليات التنقيب عن بيتكوين واحدة حجما مقداره 1550 كيلو واط في الساعة وهذا هو معدل الاستهلاك في العالم، وهو متوسط مقدار الطاقة الذي تستهلكه الأسرة الأمريكية في 13 عاما، مع العلم أن عمليات التنقيب عن العملات المشفرة في الولايات المتحدة تطلق انبعاثات غازية تماثل ما يطلقه وقود الديزل المستخدم في السكك الحديدية الأمريكية. ويعادل استهلاك الكهرباء في التنقيب عن عملة البتكوين 11 ضعفا عن عملة الإيثيريوم، التي تعد العملة المشفرة الثانية الأكثر تنقيبا... يتبع.

إنشرها