Author

السيادة السياسية والنقدية «1»

|
مستشار اقتصادي

بداية النهاية لنظام بريتون وودز النقدي بدأت مع فصل أمريكا العلاقة بين الدولار والذهب في 1971، لكن نظرا إلى مركزية أمريكا وغياب البديل استمر نهج جديد سمي ببريتون وودز 2، تميز باستمرار سيطرة السياسة النقدية لأمريكا ودور الدولار المحوري في التعاملات الأجنبية. تلقى هذا الدور نقدا متزايدا لأسباب موضوعية. التجاذب السياسي والأزمات المالية المتكررة وربما التضخم والحذر المبرر من التوسع النقدي غير المسبوق، وتوظيف أمريكا أنواعا من الحظر المالي جعل دولا كثيرة بعضها مؤثر تفكر في التعاون للحد من الهيمنة الأمريكية دون أفق واضح، أو حتى نجاحات مؤثرة على الأقل إلى حد الآن. هذه الظروف أدت إلى نقد وأبحاث في طبيعة المنظومة الحالية، لأن سوء الفهم والاختلاف حول طبيعة النظام القائم ستشكل مؤشرات على طبيعة النظام المقبل. من أفضل الطروحات ما كتب ستيفن ميراو وجنس كوستر حول السيادة النقدية خاصة العلاقة بين نظام الإقراض العالمي ودور الدول المختلف.
تشكل العولمة المالية المنصة التي تتعامل بها ومن خلالها الدول بما في ذلك السياسة النقدية ومحاولة تطبيق سيادة نقدية. الصعوبة تزداد كلما ارتفع دور النقود الخاصة. التفكير ومحاولة الممارسة اليوم يسيطر عليها نموذج "نقدي" يحاول تطبيق سيادة نقدية مبنية على سيادة سياسية بدأت منذ قيام الدولة السيادة بعد اتفاقية وستفاليا على أثر نهاية حرب الـ30 عاما في أوروبا في نهاية القرن الـ 17. هناك تطابق بين السيادتين لكنه تشابه خادع يجر إلى تحليل مضلل يقود إلى أخطاء في الممارسات وسياسات في الأغلب تضر الدول الأقل في السلم الاقتصادي والسياسي.
قبل الدخول في نقد السيادة النقدية والنموذج المقترح كبديل لا بد من ذكر أنواع النقود الثلاثة التي يعرفها بالنقود العامة التي يصدرها البنك المركزي، والنقود العامة ـ الخاصة مثل التي تنشأ من المصارف، حيث للبنك المركزي دور محوري في الأنظمة التي تحكمها، لكن المصارف هي التي تحكم توليد النقود الخاصة التي في الأغلب ليس للبنك المركزي دور فيها، الاختلاف في طبيعة النقود يقود تباعا لاختلاف في مدى سيطرة البنك المركزي، وبالتالي السيادة النقدية المجزأة. هناك أربع صفات تجعل التطابق ضعيفا بين السيادتين، الأول أن السيادة "الوستفالية" تنادي بسيطرة البنك المركزي على أنواع النقود الثلاثة، وهذا غير ممكن عمليا لاختلاف مصادرها. الصفة الثانية أن الرؤية الوستفالية تفترض المساواة بين الدول بينما الحقيقة أن درجة السيادة النقدية عالية لدول قليلة فقط، بينما أغلب الدول في وضع لا يسمح لها إلا بالقليل جدا من السيادة، فدولة صغيرة أو متوسطة ترتبط بالدولار أو بأي عملة صعبة أخرى، ليس لها مستوى السيادة النقدية نفسه. الثالثة، التمايز بين الدول في السيادة النقدية يبعث إلى خيارات تفضيلية تختلف كفاءة وتجربة الدول في التعامل معها، خاصة حين تكون الدولة عضوا في تجمع إقليمي يدعو إلى تعاون نقدي ما ينتج عنه تنازلات تنتهي بإضعاف السيادة النقدية. الرابعة، التعامل الاقتصادي سيختلف طبقا لتغير النظرة إلى السيادة النقدية لأن الغرض الأساسي من السياسة النقدية تحقيق الأهداف الاقتصادية.
هناك تحديات كبيرة على أكثر من مستوى لكن أحد المعوقات خاصة للدول النامية عدم التطابق بين السيادتين في ظل عولمة مالية، وبالتالي ضغوط على السياسة النقدية تقود في الأغلب لضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية، كما يشهد العالم اليوم بسبب ارتفاع الفوائد والدولار التي تؤثر في دول كثيرة دون تماثل. سنقدم عناصر النموذج المقترح الأسبوع المقبل وآفاق سياسة نقدية أكثر ملاءمة للمملكة... يتبع.

إنشرها