Author

لماذا كوريا الجنوبية؟

|

جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، إلى جمهورية كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي، لتؤكد أهمية التعاون مع سيئول والاستمرار في ذلك، ولا سيما أن زيارة ولي العهد الأولى في 2019 أكدت تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، والدفع بالشراكة الاستراتيجية بينهما إلى آفاق جديدة وواعدة.
يشيد الكوريون دوما بأهمية علاقتهم بالرياض التي تمتد إلى أكثر من 60 عاما، ويشيرون إلى نقطتين رئيستين، الأولى أن السعودية هي مصدر البترول الرئيس لدى كوريا، والنقطة الثانية أن مشاريع البنى التحتية التي قامت بها الشركات الكورية والقوى العاملة التي استفادت منها المملكة في حقبة الثمانينيات الميلادية، شكلت موردا مهما للعملة الأجنبية التي تحصلت عليها كوريا وكانت أحد أسباب انتعاش الاقتصاد الكوري، الذي يأتي اليوم في المركز العاشر من بين أكبر اقتصادات العالم. كما لا ننسى أن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" قام العام الماضي بإعادة تصنيف كوريا من دولة نامية إلى دولة متقدمة، حيث استطاعت الدولة الكورية التحول من دولة فقيرة معدمة في الستينيات الميلادية إلى ما هي عليه اليوم.
الزيارة الأخيرة أكدت دعم فرص التكامل الاستثماري بين البلدين في عدد من القطاعات منها الصناعة والطاقة المتجددة والاتصالات وتقنية المعلومات والصحة والتقنية والابتكار، إلى جانب النقل والخدمات اللوجستية والسياحة والرياضة والثقافة.
أحد أهم المجالات التي تركز عليها المملكة في تعاونها مع كوريا هي تلك المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة، حيث تتميز كوريا بالتقدم التكنولوجي كالصناعات الحديثة من السيارات الصديقة للبيئة إلى صناعة الروبوتات وتطوير تقنية المعلومات وشبكة الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية. فالثورة الصناعية الرابعة تقع في قلب برامج رؤية المملكة 2030، حيث نجدها في برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية الهادف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية في عدد من المجالات الواعدة.
كما أن هناك جهودا متنوعة وعديدة في سبيل تطوير صناعات الثورة الرابعة، منها أن شركة أرامكو السعودية لديها مركز خاص معني بالتقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة ودراسات البيانات الضخمة، إلى جانب إدراج منشأة خريص التابعة لـ"أرامكو" ضمن قائمة "المنارات الصناعية" العالمية، وهي المنشأة الثانية لـ"أرامكو" التي تنضم إلى هذه القائمة المعترف بها من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي.
وفي مجال الابتكار أنشأت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مركز الابتكار للجيل الرابع للصناعة، الذي يحتوي على عدد من التقنيات الحديثة منها معدات تصنيع يتم التحكم بها عن طريق الحاسبات، وأخرى تختص بالهندسة العكسية الرقمية والواقع المعزز والطباعة ثلاثية الأبعاد، وغيرها.
يقصد بالثورة الصناعية الرابعة تلك الثورة التي تلت ثلاث ثورات صناعية في تاريخ البشرية، بدءا من استخدام حركة الماء والبخار لتوليد الطاقة، ثم استخدام الكهرباء في العمليات الصناعية، ثم استخدام الحاسب وتقنية المعلومات في ميكنة الأعمال. والمملكة اليوم تراهن على التميز في هذا المجال الصناعي، لا على المنافسة في المجال التقليدي للصناعة، الذي يرتكز بشكل كبير على وفرة الأيدي العاملة والمهارات الفنية المتوارثة والموارد الطبيعية المحلية، ولا سيما أن الدول اليوم تتنافس في مقدرتها على التصنيع والإنتاج والتجارة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية لرفع الناتج الاقتصادي للدولة، والمساهمة في تنمية البلاد ورفاهية المواطنين.
النشاطات التي تقودها الرياض على عدة أصعدة تأتي انطلاقا من أهداف رؤية السعودية 2030 التي أطلقها ولي العهد في 2016، تمهيدا لاعتماد الاقتصاد السعودي على عدة موارد ومصادر للدخل للتخفيف من الاعتماد على النفط في تحقيق الموارد المالية للدولة. وفي سبيل ذلك فالمملكة لا تتوانى في بحث جميع السبل وطرق شتى مجالات التعاون مع جميع الدول التي لديها الإمكانات التقنية والنجاحات الصناعية والتجارية، ودولة بمكانة كوريا تعد واحدة من أهم الدول الواجب التعاون معها والاستفادة مما لديها من تقدم وابتكار.
في المقابل ستمنح السعودية كوريا فرص العمل في جميع المشاريع العملاقة التي تنفذها المملكة، من حيث المشاركة في أعمال البنى التحتية المرتبطة بهذه المشاريع، وعلى رأسها مشروع نيوم، حيث شجع ولي العهد الشركات الكورية على الاستثمار وإنشاء مقار إقليمية لها في المملكة.

إنشرها