هل ما زالت أداة استثمارية؟
رغم التحذيرات والتنبيهات من التداول في العملات المشفرة، باعتبار أن وضعها ما زال غير واضح ولا مقنن، وفق الإجراءات المالية القانونية المعروفة في الأسواق المالية العالمية. ورغم هذه التحذيرات إلا أن الملتقيات التي تعقد بشأن مناقشة تطورات مسار العملات المشفرة تجتذب حضورا كثيفا من المهتمين والمختصين، لمناقشة ما يتعلق بهذا الشأن.
وفي أيار (مايو) الماضي حضر أكثر من 25 ألفا، مؤتمر بيتكوين 2022، الذي عقد في ميامي في الولايات المتحدة، مع حضور شخصيات بارزة في عالم الاستثمار، مثل الملياردير وارن بافت، الذي يرى أنه لن يدفع 25 دولارا مقابل "كل عملات بيتكوين في العالم، لأنها لا تتكاثر ولا تنتج أي شيء"، ويعارضه في ذلك وبحدة بيتر ثيل المؤسس لشركة باي بال PayPal، إذ يرى أن بافت وآخرين من أمثاله جزء من حكومة الشيخوخة المالية، وهم يقفون في طريق "حركة الشباب الثورية".
وتعقد هذه المؤتمرات بين مؤيدي ومعارضي العملات المشفرة تزامنا مع تراجع صارخ في أسعار هذه العملات بلغ ببعضها حد الانهيار تماما والخروج من التداول، فقد تراجعت أهم عملة مشفرة في العالم وهي بيتكوين بنسبة تزيد على 60 في المائة من قيمتها في بداية العام الحالي، وهي تتداول اليوم عند عتبة 19 ألف دولار، وانخفضت أسعار Ethereum بأكثر من 67 في المائة منذ بداية العام وتتداول حول 1200 دولار، وتعرضت مئات من العملات المشفرة الأخرى لانهيار انهارت معه أحلام كثير من الأشخاص العاديين، الذين اعتقدوا أن العملة المشفرة هي طريقهم إلى الثراء، لكن على الرغم من كل القصص المأساوية التي ارتبطت بالانهيار الكارثي للعملات المشفرة، إلا أن تزايد الاهتمام بها ولو في صورة حضور المؤتمرات التي تناقش قضاياها ومستقبلها يدعو إلى التأمل فعليا، فهل ما زالت هذه العملات قابلة للاستثمار؟
في استطلاع أجراه مركز متخصص، 31 في المائة من الأشخاص الذين راوحت أعمارهم بين 18 و29 عاما استخدموا أو تداولوا أو استثمروا في العملات المشفرة، مقارنة بـ21 في المائة من الأشخاص الذين راوحت أعمارهم بين 30 و49 عاما، 8 في المائة من الأشخاص الذين راوحت أعمارهم بين 50 و64 عاما، و3 في المائة من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر. هناك جيل من الشباب يرى في العملات المشفرة مستقبلا، ويريد بقاءها في التداول، هذا هو الواقع الذي تعيش عليه العملات المشفرة، نظرا إلى أنها مرتبطة بتصورات النمو المستقبلي، فهناك مؤيدون لهذه العملات ومتفائلون بمستقبلها رغم كل التقلبات الحادة في تاريخها القصير، وهنا من يرى أنها مجرد دمى مخادعة من أجل توليد فقاعات استثمارية، وإخفاء الثروات غير المشروعة، وتسهيل عمليات الاحتيال.
ومع ذلك تبقى العملات المشفرة واقعا استثماريا لا مفر منه، وهناك أكثر من عشرة آلاف عملة مشفرة في السوق اليوم، ولكل منها ميزاتها الخاصة، وجميع العملات المشفرة لديها السلوك نفسه تقريبا من الطفرات "والانهيارات" المفاجئة في القيمة، وهذا السلوك هو ما يجذب المغامرين والباحثين عن الثراء السريع، في ظل ادعاءات بأن البنية التحتية التي تدعمها وهي البلوكتشين blockchain تمثل مركز ثقل هذا القطاع ومصدر أمنه المزعوم، وهي بهذا الزعم تمثل ملاذا آمنا لكل الحركة الثورية الشابة ضد البنوك المركزية والأسواق المالية التي تفرض شروطا وأوقاتا للتداول، فالميزة التي تتمتع بها العملات المشفرة هي إمكانية تداولها على مدار الساعة، إذ لا يتعين على أحد انتظار بورصة نيويورك أو ناسداك، كما أنها لا ترتبط باقتصاد معين لا بنموه ولا بركوده، وهذا بخلاف كل القنوات الاستثمارية الأخرى. وتبقى الأسئلة صريحة ومشروعة بشأن مستقبل الاستثمار وآلياته وخطورته، لكن بلا شك، هذا يمثل الفرق الشاسع بين مدارس الاستثمار الكلاسيكية، وأيضا الراديكالية الثورية.