الأسواق .. هل من صدمات؟

ليست هناك مبالغة في أن كل رفع للفائدة من جهات مركزية مالية أساسية، يعد صدمة أخرى للمستثمرين. السبب معروف للجميع، وهو أن الفائدة التي ترتفع تزداد معها وتيرة سحب التمويل من الأسهم والسندات، لأن هذه الأموال ستكون أكثر أمانا وربحية في هذه الفترة على وجه الخصوص. وفي الأشهر الماضية، استقطبت الولايات المتحدة كميات هائلة من الاستثمارات المسحوبة من الأسواق لضخها في سوق العملة الأمريكية.
من هنا، يمكن النظر إلى تأثير السوق المالية، خصوصا السياسات التي تتعلق بمستويات الفائدة ومدى رفعها أو خفضها، ليس فقط على الجانب الاقتصادي، بل السياسي أيضا. فعندما أصرت حكومة ليز تراس البريطانية على معاندة السوق، ألقت الأخيرة بها خارج السلطة في غضون 44 يوما من وصولها إلى داونينج ستريت. ما أعاد طرح الأسئلة الخاصة بالهامش. وينبغي أن يصل إليه نفوذ السوق.
في ظل هذا النفوذ والتداخل للسوق في التشريعات والسياسات، فإن أي خطوة خاطئة أو بطيئة أو غير محسوبة تماما، تؤدي إلى انهيارات سريعة بعواقب وخيمة للغاية. مرة أخرى شهدنا هذا السيناريو قبل أسابيع قليلة فقط في المملكة المتحدة، عندما اضطر بنك إنجلترا المركزي إلى شراء مزيد من الديون من أجل حماية سمعة وتصنيف البلاد الائتماني، خصوصا مع وجود ميزانية آنذاك "تم تمزيقها كلها لاحقا" تتضمن خفض الضرائب عبر رفع حجم الاقتراض الحكومي. في ظل الوضع العالمي الراهن، هناك مؤشرات عديدة حول اقتراب المعوقات من المستثمرين الذين كانوا "ينعمون" لأعوام عديدة بفائدة منخفضة جدا، بحيث بلغت في بعض الدول المستوى الصفري. والسبب أيضا معروف، وهو أن الحكومات التي تسيطر على قرارات البنوك المركزية، تسعى إلى مزيد من النمو وتحريك الاقتصادات بما يضمن حدا مقبولا من النمو.
بالطبع هنا مؤشرات سلبية خطيرة إلى جانب بعض الإيجابيات فيما يعرف بالرفع المالي، الذي ازدهر لأعوام عديدة قبل التشديد النقدي الذي تتبعه البنوك المركزية حاليا. فعندما تتغير الأوضاع "وليس السياسات" يصبح الرفع المالي أكثر خطورة، فهو يحتاج إلى بيئة اقتصادية معينة، لا دخل للسياسة العامة بقوة فيها. وإذا وضعنا التراجع الكبير في أسواق السندات إلى هذا العامل، فإن الهزات المتوقعة على المستثمرين تتجمع حقا، ما يطرح أسئلة كثرة حول مدى استدامة بعضهم، ومستوى صمودهم في زحمة الأمواج الاقتصادية العاتية العالمية، وتلك التي تتوالد من سياسات تتسم بالمخاطر وحتى "المجازفات"، بعيدا على أي مستوى للأمان. والمشكلة الكبرى هي أنه يصعب بالفعل تحديد قوة هذه التقلبات إذا ما وصلت السوق. لأن المتغيرات متسارعة، ولأن حالة عدم اليقين تتسع رقعتها بل تتعمق.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن المؤسسات المالية التشريعية، تولي حاليا اهتماما بالغا بمجال الأمان المالي، إن جاز القول، وذلك عبر فرض رقابة مشددة ليس على المصارف التي صارت بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 2008، تخشى التحرك غير المحسوب، بل على المؤسسات المالية الأخرى التي لم تخضع للتنظيم الكلي بعد الأزمة المشار إليها، كما خضعت البنوك حاليا. في مرحلة التشديد النقدي سيتعاظم تهديد الهزات، بما في ذلك تدهور السيولة على الائتمان، والتخلف عن السداد في بعض الأسواق ولا سيما الناشئة.
وفي كل الأحوال، يبدو واضحا أن المخاطر واردة خلال الفترة المقبلة، لأن الاستقرار الاقتصادي لم يصل إلى المستوى المطلوب حتى في الدول المتقدمة، فكيف الحال بالدول الأخرى التي ينتظر أن تكون الخبطات التي قد تشهدها بمنزلة شرارة لأزمة اقتصادية عالمية، أكثر عمقا من تلك التي انفجرت في 2008.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي