Author

لنفهم اقتصادنا أكثر

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

لمعرفة حياة أي مجتمع وثقافته ورفاهيته ووضعه الاجتماعي كل ما تحتاج إليه هو الاستقصاء عن البيانات الاقتصادية، لأنها المصدر الوحيد الذي يمكنه إعادة تشكيل الأنشطة الاقتصادية وبناء المجتمع كذلك، الحسابات الاقتصادية economic accounts تكمن أهميتها في كشف العلاقات المتبادلة بين المنتجين والمستهلكين والأداء التجاري والصناعي والمالي على المستويين المحلي والتجارة الخارجية، ولها دور في إظهار أي تغيرات على مستوى المعيشة وظروفها بمرور الوقت، ومن خلالها كذلك يمكننا معرفة ظروف سوق العمل من معدلات التوظيف والبطالة ومعدلي الأجور والرواتب، إضافة إلى أهميتها الجوهرية، أي الحسابات الاقتصادية، في تقدير آثار قرارات الحكومة في الجميع التي يتخذها صناع السياسات الاقتصادية والتشريعية، كما أنها تساعد الشركات والمستثمرين على اتخاذ قرارات متبصرة.
ولعلي ألفت نظر القارئ في مقالة اليوم إلى وجود حسابين آخرين أقل شهرة بجانب الحساب الاقتصادي، ويندرجان تحت المحاسبة الاجتماعية، environmental account أي المحاسبة البيئية، وsustainability account أي محاسبة الاستدامة، وتركزان على البيئة والمجتمع، بمعنى آخر، مدى تأثير الأنشطة الاقتصادية في الحياة والناس، لهذا ظهر لدينا نظام الاقتصاد الدائري غير الخطي، ولست متأكدا إذا ما كان الاقتصاد الدائري قد نشأ من نتائج هذه الحسابات الاجتماعية لكن تاريخيا، كان أول نموذج محاسبة وتدقيق اجتماعي 1981، وظهر مصطلح الاقتصاد الدائري لأول مرة 1988، ويمكن الإشارة إلى هذين الحسابين الاجتماعيين بـsocial accounting أي المحاسبة الاجتماعية، وفي الأغلب هي حسابات غير نقدية وإنما هي تقارير للآثار الناتجة من أعمال الشركات والحكومات من الأنشطة الاقتصادية.
إن الابتعاد عن الاقتصاد الخطي في برامج "رؤية 2030" كان ظاهرا، ويمكن معرفة ذلك من خلال استقراء عبارة "الاستدامة" في وثائق برامج الرؤية التنفيذية، لهذا نحن في الواقع العملي ولا سيما في الاقتصاد، بحاجة إلى بيانات أوسع ومتعددة المستويات، وأعتقد أن إعادة هيكلة نظامي الحسابات الوطنية الاقتصادية والإحصاءات وفق أفضل الممارسات العالمية وتوفير مسوحات للتجارة والصناعة وقوى العمل والأسرة بالطريقة الأمريكية نفسها من حيث عدد المسوحات وتفاصيلها الفنية، له أهمية بالغة في تحقيق مستهدفاتنا الوطنية.
أما على مستوى القضايا الاجتماعية فقد يرى البعض أن تبني الجوانب الاجتماعية والبيئية يؤثر في ربحية الأعمال، وهذا غير دقيق، لأن التكلفة اللاحقة التي تتحملها الحكومات والاقتصاد عموما مرتفعة ولا تظهر بصورة مباشرة لصانع القرار، وتتم تسويتها لاحقا عبر معالجة آثارها في الناس والبيئة بطريقة نقدية سواء من خلال مشاريع إصلاحية أو دعم مالي اجتماعي مباشر.
في نهاية المطاف كثافة البيانات الاقتصادية عبر الالتزام بجميع ما ورد في التصنيف العالمي لنظام الحسابات القومية بنسبة لا تقل عن 98 في المائة، وتوفير مسوحات أسرية وتجارية وصناعية وفق نموذج أمريكا وبريطانيا والدول الاسكندنافية، إضافة إلى إلزامية تقارير الاستدامة والبيئة للأنشطة الاقتصادية، كلها مرتكزات للنجاح الحقيقي لدى صناع السياسات الاقتصادية، أي أن جودة الإدارة الاقتصادية تعتمد على جودة البيانات والمسوحات الوطنية.
إنشرها