سوق استراتيجية والتداعيات قاسية

لا يمكن النظر إلى طبيعة المخزونات من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي إلا من خلال مدى أهميتها، بل ومحوريتها في وقت تواجه فيه الإمدادات نقصا كبيرا. المخزونات لأي مادة تدخل ضمن هذا السياق، بصرف النظر عن أي تفسيرات أو اعتبارات. ولذلك، عندما أسست مخزوناتها، بنت ذلك على وضعية الإمدادات الراهنة والمستقبلية. والاحتياطي النفطي "أو غير ذلك من مواد استراتيجية" يبقى ضمن هذا الإطار. أنت تستخدم هذا الاحتياطي، عندما تكون مضطرا إليه، وليس من أجل أن يتحول إلى أداة لا دخل لها في معايير السوق. من هنا يمكننا النظر أيضا إلى ما قاله الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، من أن الغرض الأساسي من المخزونات النفطية ليس طرحها في أي وقت، بل عندما يكون هناك تراجع غير طبيعي في الإمدادات.
اليوم هناك موفور واضح من الإمدادات النفطية حول العالم، ولهذا السبب خفضت مجموعة "أوبك +" الإنتاج النفطي بمعدل مليونين يوميا. السوق تتحمل بالفعل خفضا بهذا المستوى، وربما أكثر. وأي خفض يتم مستقبلا سيكون ضمن نطاق ومعايير السوق العالمية. وهذه النقطة أساسية ليس فقط في أوقات الأزمات، بل في زمن الاستقرار أيضا. المشكلة الأساسية لا تكمن فقط في استخدام المخزونات في الأوقات غير المناسبة أو غير الضرورية، بل في أن خسارتها في غير محلها ستكون صعبة ومؤلمة، وفق الأمير عبدالعزيز بن سلمان. لا بد أن تكون المخزونات ضمن المفهوم الاستراتيجي، وليس ضمن سلوكيات رد الفعل. لأن ذلك سيؤثر حتما وبصورة سلبية في الحالة العامة في الميدان النفطي، ولن يحقق في النهاية المقاصد المرجوة منه. إنها مسألة ليست معقدة، لكنها حساسة إلى حد بعيد.
السعودية بقيت طوال "التاريخ النفطي" ليست منتجا للنفط فحسب، بل ضامنا للإمدادات في كل الحالات والتحولات، ومحافظة على توازن أسواق النفط. وهي مستعدة دائما، لأن تقوم بدور المنقذ في المجال البترولي، من أجل ضمان وتيرة الأداء الاقتصادي العالمي. فالرياض تبقى دائما ملاذا عالميا آمنا على صعيد الطاقة، وقد وصلت إلى هذه الوضعية نتيجة سياساتها المتوازنة، التي تستند إلى مجموعة من المعايير، أولها التعاون الدولي. ففي الفترة الأخيرة شهدت أوروبا "ولا تزال" اضطرابات في مجال إمدادات الطاقة، بفعل الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا، وتقوم المملكة بالتعاون المباشر مع الدول الأوروبية لاحتواء هذه الأزمة الاستراتيجية، من منطلق المسؤولية الدولية التي أوكلت نفسها بها، لضمان مسار الاقتصاد العالمي عموما.
لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تتفرد جهة باستراتيجية عالمية. وفي الحالة النفطية ينبغي أن تكون هناك اتفاقات دولية واضحة تستند إلى التعاون المباشر البعيد عن أي سياسات خاصة. فأزمة الطاقة الراهنة دولية، لن يتم التوصل إلى حلول لها إلا بالتعاون والتفاهم والتنسيق بين الجهات المعنية مباشرة بالإمدادات. ولذلك، فإن التفاهمات التي تمت ضمن نطاق "أوبك +" واضحة ومنطقية، وتستند أساسا إلى حقائق السوق والإمدادات. المسألة كلها تبقى مرتبطة بشيء أساسي واحد، هو التعاون والتفاهم في المجال النفطي خصوصا والطاقة عموما. وأي "مناوشات" وخلافات ستؤثر سلبا في الجهات التي تعاني نقص الإمدادات أولا، وفي معايير السوق، والأهم من هذا وذاك في استدامة الاستراتيجية النفطية الدولية.
خلاصة القول، المسؤولون في السعودية، ضمنوا منذ عقود الإمدادات النفطية في كل الظروف، ليس من أجل إرضاء طرف أو دولة بعينها، بل لكي يمضي مسار الاقتصاد العالمي قدما، بأقل حد من الاضطراب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي