مقومات نجاح الحوار

أسباب كثيرة تسهم في نجاح المحاور إن كان صحافيا، أو مفاوضا اقتصاديا، أو سياسيا، أو محاميا في قضايا معروضة على المحكمة، وأول هذه الأسباب هو الخصائص التي يتمتع بها الفرد القائم بهذه المهمة، ومما تتكون منه شخصيته من صفات كالقدرة على الإقناع، ووضوح الفكرة، وحسن البيان، إضافة إلى السمت، والذكاء الاجتماعي، وسرعة البديهة والفهم، والاستيعاب، كما أن الحكمة والاتزان الانفعالي يمثلان ركائز أساسية في الشخصية التي تتصدى لهذه المهمات، فالذي تسهل إثارته يمكن ألا يحقق الأهداف المنوطة به، لذا نقول في الأمثال، «ضيع صيدته في عجاجته»، في إشارة إلى أهمية الاتزان الانفعالي والقدرة على التحكم في المشاعر.
الإلمام بالموضوع، وتاريخه، إن كان له تاريخ، وطبيعة هذا التاريخ لها دور في النجاح، فمن يتحدث أو يحاور رياضيا يلزمه أن يتمتع بخلفية رياضية تؤهله لطرح الأسئلة المناسبة، ولذا يسهل التمييز بين الملم بالموضوع والآخر في نوع الأسئلة، وطريقة صياغتها، وردود الفعل المرتبكة التي تظهر عليه حين يسمع إجابة لم يتوقعها، إذ قد يظهر عليه الوجوم والتلعثم وصعوبة ربط الموضوع من جميع أجزائه، فالتيهان هو السمة الواضحة عليه.
المشكلة في بعض الأحيان، خاصة في الموضوعات الشائكة، تتداخل المعارف الواجب الإلمام بها، كاللوائح والأنظمة والقواعد الفقهية والقانونية والخلفية الثقافية والاجتماعية، لذا حرص مؤرخو الحضارات على الإلمام بشمولية وعمق البحث لمعرفة أسباب تصرف الناس وتفكيرهم في مجتمع بطريقة مختلفة عن أناس آخرين رغم أنهما ينتميان إلى المجتمع نفسه، وربما لا يفصل بينهما إلا مسافة لا تتعدى بضعة كيلومترات، فعلى سبيل المثال تجد أفرادا يقلبون حرف القاف إلى حرف الغين والعكس صحيح، رغم الانتماء إلى المجتمع نفسه، والقرب المكاني، كما يلاحظ المراقب الفرق بين الأمريكيين الأوروبيين، والأمريكيين الأفارقة في طريقة الحديث، وبعض المصطلحات.
ما لاحظته من متابعة بعض إعلاميي الغرب عند محاورة طرف آخر الجرأة والقوة في طرح الأسئلة والإلحاح حتى الإحراج، بهدف الخروج بأي إجابة تدين الطرف الآخر، أو أي إجابة يمكن تفسيرها قسرا بالشكل الذي يخدم أهداف الإعلامي أو الجهة التي يمثلها مؤسسة أو وطنا، وهذا ما يحدث بعد أي حدث، أو أزمة، كما حدث بعد تخفيض "أوبك+" إنتاجها، إذ يتم طرح السؤال بعدة صيغ، وهذا يدل على جودة الإعداد، ولاحظت أيضا التعمق في الموضوع، والقراءة حوله، والاستعداد الكافي، بينما إعلاميون من أماكن أخرى يلاحظ عليهم التلعثم، وعدم الدقة في السؤال، بل ربما الأخطاء اللغوية، وضعف الاستعداد عموما.
في الوقت الراهن يشهد العالم اختلافات وصراعات ظاهرها اقتصادي، خاصة ما له علاقة بالطاقة، أو المياه، أو الموارد الطبيعية الأخرى. في اعتقادي الجازم أن من يتصدى لحوار الأطراف الأخرى من مسؤولين وسياسيين عليه الإلمام بحقائق أخرى قد مضت عليها عقود، لكنها تمثل مواقف وأحداثا مفصلية لها قيمتها في وقتها، وفي موضوعها، وفي أشخاصها، فقرار المملكة التاريخي في 1973 حين قرر الملك فيصل قطع إمداد أمريكا ومعها بعض الدول بالبترول، يمثل قرارا شجاعا وقويا عبر عن إرادة وسيادة وطن على ثرواته. إن فهمنا للآخر في طريقة تفكيره ومشاعره واتجاهاته نحو الآخرين، بل تاريخه، ونظامه الاجتماعي والسياسي وآلية اتخاذ قراراته، والقوى الداخلة والفاعلة في ذلك، مهم، كما أن طريقة الحوار يجب أن تكون متناسبة مع طريقة الطرف الآخر، فالكلام اللين قد يفسر بالضعف والاستكانة، كما أن الصلف وغلظة القول قد يفسران بالغطرسة والكبرياء، كل ما سبق عوامل أساسية في نجاح إقناعه أو إلجامه وإيقافه عند حده.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي