Author

قوة الدولار وضعف الاقتصاد العالمي

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

تؤثر سياسات الاقتصاد الأمريكي في اقتصاد الكوكب بلا استثناء، فتصريحات جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تؤثر تأثيرا مباشرا في أسواق الدين والأسهم والسلع والذهب والاستثمارات، وكذلك في أسعار تقييم النفط والغاز سعريا، فما سر قوة السياسات النقدية الأمريكية، أو ما تعرف بأسعار الفائدة على الدولار التي تقررها أمريكا منفردة دون النظر إلى الاقتصاد العالمي.
في واقع الحال، "الفيدرالي الأمريكي" هو البنك المركزي لاقتصاد العالم، لأن زيادة العرض النقدي من الدولار تؤدي إلى تراجع أسعار الفائدة في جميع البنوك المركزية في العالم وينتعش الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه إذا ما رفع "الفيدرالي" سعر الفائدة، فإن جميع البنوك المركزية في العالم يلحق به، وتعزى ملاحقة الدول لـ "الفيدرالي"، من أجل تقديم عروض أسعار فائدة للدولارات المحلية للبقاء في الاقتصادات المحلية، وتقليص هجرتها إلى أمريكا أو الدول التي تدفع فوائد مقاربة للاقتصاد الأمريكي. النظام النقدي العالمي يتحرك وفق هذا المبدأ، فالأسعار المرتفعة للفائدة التي تدفعها البنوك التجارية تعد خيارا أفضل للمستثمرين، لأنها تعطي معدل عائد أفضل ومخاطر أقل، ولا سيما في فترات الركود أو الانكماش أو حالات عدم اليقين العامة، ولهذا نرى أن الاستثمارات تقل كلما ارتفعت أسعار الفائدة على الدولار.
اليوم نحن على أعتاب حالة غير مسبوقة منذ أكثر من ثلاثة عقود ماضية من سرعة زيادة معدلات الفائدة، للسيطرة على التضخم الأمريكي وترويضه، لإعادته إلى 2 في المائة بعدما وصل إلى 9 في المائة، إن ما تقوم به أمريكا يخدم الاقتصاد الأمريكي ويدمر الاقتصاد العالمي، ولا سيما الدول التي تعتمد على التجارة والصناعة، فكلما ارتفع الدولار أدى إلى تراجع التجارة العالمية، وتدهور في صرف العملات، حتى للدول القوية اقتصاديا باستثناء الدول المصدرة للنفط، التي ترتبط عملاتها بالدولار، وعلى الرغم من ذلك ستقوم تلك الدول بضخ مزيد من الإنفاقات الحكومية، لتخفيف آثار التراجع الاقتصادي الناتج عن ارتفاع أسعار الفائدة من خلال الاحتياطات الدولارية المتولدة من النفط.
أما الدول الصناعية التي تعتمد على السياسات النقدية في تحفيز النمو، فمن المؤسف أنها ستواجه هذه المرة تحديا غير مسبوق، بسبب أن هناك خللا في جانب العرض من جراء أزمة كورونا وسلاسل الإمداد وتراجع الطلب العالمي والأزمة الروسية، ولعل الاقتصاد الياباني خير شاهد، ولهذا تدخلت اليابان لأول مرة منذ 24 عاما لدعم سعر صرفها.
في نهاية المطاف، كلما صعدت أسعار الفائدة على الدولار قل المعروض العالمي منه، وبالتالي تتراجع معدلات الاستثمار والنمو الاقتصاد العالمي الكلي، لكن هذه المرة قوة الدولار قد تؤدي إلى تهاوي أسعار صرف دول كثيرة، ولا سيما الدول منخفضة الدخل والمتوسطة، وسيصبح الأمر أكثر خطورة إذا ما قام كثير من الدول بتطبيق الحمائية الاقتصادية بسبب الأزمة الروسية ـ الأوكرانية. وفي الختام، هل ستضحي أمريكا بالعالم من أجل اقتصادها؟!
إنشرها