Author

توزيع الدخل والثروة العالمي

|

عدم المساواة في توزيع الدخل والثروة من إحدى الحقائق والثوابت الاقتصادية على مر العصور، لكنها قد تسوء في بعض الدول أكثر من بعضها، كما أنها تتأثر بمرور الزمن وبالأحداث والأنظمة والتطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتقنية. يبرر الجهد والمهارة والكفاءة والعمل وتحمل المخاطر والإرث مستوى معينا من تباين الدخول والثروات بين البشر داخل الدول، لكن جزءا كبيرا من سوء توزيع الدخول والثروات يعود إلى عوامل وممارسات ممقوتة، كالفساد واستغلال النفوذ والتمييز والاحتكار والجريمة. أما اختلافات الدخل والثروات بين الأمم فتعود إلى عوامل أخرى مختلفة، كمستويات التنمية والثروات الطبيعية والسياسات الاقتصادية. وبذلت جهود كثيرة مؤسسية وفردية لقياس وإصدار بيانات توزيع الدخول والثروة على مستويات الدول والعالم، وسبر ودراسة أغوار التباينات وصياغة السياسات حولها. وأصدرت إحدى المؤسسات غير الهادفة للربح، أخيرا، تقريرا عن توزيع الدخل والثروة العالمي. ويهدف التقرير إلى تسليط الضوء على أحدث بيانات توزيع الدخل والثروة بين دول العالم وداخلها.
بنيت إحصاءات التقرير على أساس القوة الشرائية المعادلة، وهو ما يعني اعتبار مستويات الأسعار داخل الدول. وتشير بيانات التقرير إلى أن متوسط دخل الفرد البالغ على المستوى العالمي بالقوة الشرائية المعادلة وصل إلى 87675 ريالا في 2021، وهذا يعادل نحو 41750 ريالا بأسعار المملكة. فإذا كان متوسط دخل الفرد البالغ السنوي من أسرتك في المملكة يزيد على هذا المعدل فأنت تحقق أكثر من المتوسط العالمي، اما إذا كان أقل فأنت تحقق أقل من المتوسط. في الجهة المقابلة حصل النصف الأقل دخلا في العالم على 14.700 ألف ريال للبالغ في 2021، ما يعادل سبعة آلاف ريال تقريبا بأسعار المملكة. وينخفض هذا المبلغ في الدول الأقل دخلا إلى مستويات أقل، لأن تكاليف أسعار الخدمات والسلع فيها أقل من الدول الأغنى.
يحظى 10 في المائة من سكان العالم البالغين الأكثر دخلا بنحو 52 في المائة من إجمالي الدخل العالمي، بينما لا تتجاوز حصة نصف سكان العالم الأقل دخلا 8.5 في المائة من الإجمالي. أما الفرد البالغ من شريحة أعلى 1 في المائة دخلا من سكان العالم، فكسب معدلا بنحو 1.7 مليون ريال في 2021. كما حصل الفرد من شريحة أغنى عشر من سكان العالم على نحو 458 ألف ريال العام الماضي، أو نحو 218 ألف ريال بأسعار المملكة. ويلاحظ تحقيق العشر الأغنى متوسط دخل للفرد يفوق نظيره من نصف السكان الأقل دخلا بـ30 ضعفا، بينما حصل أغنى 1 في المائة على 115 ضعفا.
يقل متوسط نصيب الفرد البالغ عالميا من الثروة قليلا عن 400 ألف ريال، لكن هناك تركز قوي للثروة في قمة الهرم السكاني. وإذا كانت فروقات الدخل كبيرة بين سكان العالم، فإن فروقات الثروة أكبر من ذلك بكثير. ولا تتجاوز ثروة نصف العالم الأقل حظا 2 في المائة من إجمالي الثروة العالمية، بينما تستحوذ العشر الأغنى على 76 في المائة من الثروة. وتصل حصة أغنى 1 في المائة من سكان العالم إلى 38 في المائة من ثروة العالم، وبمتوسط قدره 15 مليون ريال تقريبا للشخص البالغ.
في المقابل، بلغ متوسط ثروة نصف العالم الأقل دخلا نحو 15 ألف ريال للفرد، بينما وصلت حصة أغنى عشر من سكان العالم إلى 2.9 مليون ريال للفرد. أي أن متوسط ثروة الفرد من أغنى عشر يصل إلى نحو 190 ضعف متوسط ثروة نظيره من نصف سكان العالم الأقل دخلا، بينما تصل ثروة الفرد من الأغنى 1 في المائة إلى ألف ضعف. وتتركز ثروة نصف السكان الأقل دخلا في أساسيات الحياة، كالمساكن ووسائل المواصلات، بينما يملك الأغنياء معظم وسائل الإنتاج وتوليد الدخل.
النسب طبعا ليست دقيقة جدا، لكنها قريبة من الواقع. ويعتمد التقرير على جهود أكثر من 100 باحث في أرجاء العالم، وتستمد بياناته من مصادر متعددة، مثل بيانات الضرائب وتوزيع الدخل والاستبانات. وتوضح البيانات بشكل جلي التباينات الكبيرة في الدخل والثروة بين سكان العالم. وتدل البيانات على أن توزيع الثروة هو عامل أساسي في اختلاف وتباينات الدخول. وتشير التطورات التاريخية للبيانات إلى أن الفروقات في الدخل تراجعت بين الدول منذ 1980 إلى الوقت الحالي، أما فروقات الدخل داخل الدول فقد تزايدت.
من جانب آخر، تراجعت عدالة توزيع الدخل خلال الأعوام الأربعة الماضية من جراء جائحة كورونا، وكذلك لتأثيرات ارتفاع معدلات التضخم حول العالم.
عموما، لا يوجد توافق أو أسس علمية تحدد المستوى الأمثل لتوزيع الدخل والثروة، وتباينت وجهات نظر البشر والمفكرين والمصلحين حول ممارسات وسياسات توزيع الدخل عبر التاريخ. في المقابل، توجد درجة من التوافق على ضرورة الحد من التباينات الحادة في توزيعات الدخل والثروة، لخفض آثارها السلبية في التنمية والعدالة والسلم الاجتماعي. وتوضح التغيرات التاريخية في عدالة توزيع الدخل ومستوياته آثار السياسات والأنظمة والتنمية، لهذا ينبغي قدر الإمكان أخذها في الحسبان عند صياغة وتفعيل السياسات الاقتصادية والأنظمة الضريبية والدعم والسياسات النقدية والمالية. ختاما، ومن خلال البيانات يمكن لأي شخص التعرف على موقعه العالمي في الدخل والثروة مقارنة بباقي العالم.

إنشرها