التنفيذيون وصناع السياسات الاقتصادية
استقرار الأسعار من شروط جودة قرارات التنفيذيين في الأعمال، لأن تقلبات الأسعار تؤدي إلى تغيرات واسعة في الوضع الاقتصادي، وعلى سبيل المثال، عندما ترتفع الأسعار تؤدي إلى ارتفاع مخاطر الاستثمارات، وتنخفض معدلات النمو الاقتصادي للقطاع الخاص، وفي الوقت نفسه نرى انحرافا في الاستثمارات القائمة، أي أنه كلما ارتفعت الأسعار كانت تحديات الرؤساء التنفيذيين أكثر صعوبة. لهذا تأخذ البنوك المركزية وصناع السياسات الاقتصادية ذلك على محمل الجد للمحافظة على مستويات الأسعار، ويستهدفون ما يعرف بالتضخم المستهدف inflation target أي بقاء مستوى الأسعار من حيث النقود الورقية ثابتا إلى درجة معينة حتى أصبح التضخم الذي تستهدفه الدول المتقدمة 2 في المائة، وعلى الرغم من ذلك لم يعد التضخم هو المشكلة الأكبر، لأن بعد 2020 ظهرت تحديات لم تعد السياسات الاقتصادية كافية، فما تلك التحديات وماذا يجب علينا فعله؟
تنصب جهود الرؤساء التنفيذيين على تحقيق النمو والاستدامة لشركاتهم في جميع الظروف الاقتصاد، كما أن أفضل السياسات الاقتصادية لا يمكن أن تعمل بكفاءة دون وجود عدد كبير من رؤساء تنفيذيين وعلى قدر عال من الإنتاجية والمرونة في استيعاب الظروف الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية، بما في ذلك فهم تغير سلوك الشركات والبشر والنموذج الاقتصادي الذي تقوده التغييرات الابتكارية.
أدى الوباء في 2020 إلى تغير في سلوكيات المستهلكين والأعمال ومن المرجح أن الأمر سيستمر، فساعات العمل وسفر الموظفين والاجتماعات تغيرت. وأشار أحد تقارير "معهد ماكينزي العالمي"، إلى من 20 إلى 25 في المائة من القوى العاملة في الاقتصادات المتقدمة يمكنها العمل عن بعد دون فقدان الفاعلية. كما أن نماذج الأعمال وسلوك المستهلكين ستستمر بعد أزمة الوباء ما قد يحدث انتعاشا غير متكافئ بين الشركات بسبب عدم استيعاب الرؤساء التنفيذيين التقليديين التغيرات التي لم تعد مؤقتة بل دائمة، ولا سيما مع فرص نشوء جيل اقتصادي جديد يعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وربما نظام مالي جديد مجزأ بين مجموعة G7 ودول الأسواق الناشئة الكبرى، إضافة إلى تحول المستهلكين والمستثمرين إلى قنوات رقمية عابرة للحدود. لهذا إذا لم يستوعب الرؤساء التنفيذيون ذلك، فإن خطر التخلف والخروج من المنافسة أمر وارد، وهذا مكلف على أي اقتصاد.
أخيرا، لم يعد كافيا قيادة الاقتصاد من خلال السياسات الاقتصادية بطريقة أحادية، لهذا يتعين علينا العمل بطريقة مشتركة بين صناع السياسات الاقتصادية والبنوك المركزية والتنفيذيين للدخول في النظام الاقتصادي الجديد الذي لا تزال تتشكل ملامحه، لتحقيق نمو إنتاجي أعلى ومزيد من الوظائف إضافة إلى توسيع معدلات الاستهلاك والاستثمار وفق شروط الاقتصاد الجديد، وفي ذات الحين علينا ردم أي فجوات تنشأ من عمليات التحول. ولعل دعم ريادة الأعمال الجديدة، وتصميم منتجات وخدمات قابلة للتداول الدولي، وتمكين الداخلين الجدد، عناصر جوهرية في بناء نموذج له آثار انتشارية تسرع من الاندماج في الاقتصاد العالمي الجديد.