مشاورات النقد .. احتواء وتعاف
يمثل انخفاض معدل النمو الاقتصادي وضعف ميزان المدفوعات واختلال الميزانية العامة وارتفاع مستويات الدين والتضخم في مختلف دول العالم، سواء النامية أو الناشئة أو حتى المتقدمة، خطرا حقيقيا على الاستقرار الاقتصادي ومواجهة تلك التحديات بسياسات اقتصادية قصيرة الأجل وطويل الأمد ضرورة حتمية، لذا المملكة ومنذ 2016 لا تزال تنفذ إصلاحات اقتصادية واسعة كما جاء تقرير مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي في آب (أغسطس) 2022 ليؤكد أننا نجحنا في تحقيق معدلات نمو أكثر استدامة، تجاوزت أو تضاهي الاقتصادات الصاعدة في مجموعة العشرين على الرغم من أزمتي كورونا الصحية والحرب الروسية - الأوكرانية، ومن أهم ما ورد في التقرير تأكيده أن موقف المالية العامة على المدى المتوسط يحافظ على استقرار صافي الأصول المالية لدى الحكومة ويحقق العدالة بين الأجيال، وصافي الأصول سيصبح موجبا في 2024 حتى في حال سيناريو تراجع أسعار النفط، وأن القطاع المالي شهد تطورا رقميا سريعا تخطى مستهدفات 2030 وبلغ معدل نمو الشمول المالي 16.9 في المائة عما كان عليه في 2019 ليصل إلى 83 في المائة، أما على مستوى الدين العام فلا تزال مستويات الدين العام منخفضة، ويعزى ذلك إلى الإدارة السليمة للدين والاعتماد على تمديد أجل الدين وتخفيض تكلفة إعادة التمويل ومراقبة نسب الرفع المالي والسيولة وتغطية الفائدة بطريقة مفصلة، كما أن انتهاء برنامج تأجيل المدفوعات لم ينتج عنه آثار كما كان يخشى في البداية، وفي الوقت نفسه أكد تقرير صندوق النقد أن البنوك جيدة الربحية ورأس المال والسيولة، وأكد أهمية مراقبة مخاطر الإقراض ونمو القروض العقارية من كثب كما وصفها، كما أن معدل الإقراض للقطاع الخاص في 2021 ارتفع إلى 15.4 في المائة مدفوعا بالقروض العقارية وقروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ومن الأمور اللافتة في التقرير، أن أسعار الغذاء والسلع الأولية في الأسواق العالمية كان تأثيرها محدودا في الأسعار المحلية في المملكة، لذا أعتقد أنها نتائج لكفاءة تصميم السياسات الاقتصادية عموما وإدارة سلة المستهلكين الأساسية خصوصا التي تلامس المعيشة، ومن المنظور العملي يعزى نجاح إدارة التضخم إلى تطوير قدرات الإنتاج الزراعي ودعم منتجي السلع الأساسية لسلة المستهلكين عبر برامج الرؤية المختلفة استثماريا وتمتين قدراتهم الإنتاجية، إضافة إلى استخدم سياسات متنوعة في إدارة التضخم مثل أسلوب التسعير بسقف سعري Price Ceiling للوقود، لاحتواء التضخم مبكرا، وهذا الأسلوب، أي تنويع أدوات إدارة التضخم ودعم قدرات الإنتاج المحلية، كان فاعلا للتنوع الاقتصادي والاكتفاء وتخفيف مخاطر التضخم المستورد الذي ضرب العالم، فالرقم القياسي لأسعار المستهلكين بلغ لدينا متوسط التضخم 3.1 في المائة 2021 وسجل في تموز (يوليو) 2022 معدل 2.7 في المائة وهي مستويات منخفضة مقارنة بما وصل إليه التضخم في أوروبا وأمريكا ودول العالم الرئيسة التي تخطت حاجز 9 في المائة.