كم راتبك؟
من أهم القواعد النبوية التي تحث على الخصوصية واحترام حدود الآخرين هو قوله -عليه الصلاة والسلام-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، البعض "ينشب في حلقك" حتى تخبره عن أدق خصوصياتك رغم أنه قد لا يكون صديقك المقرب ولا قريبك ولا جارك ولا زميلك، حتى هؤلاء لا أحقية لهم في التدخل في خصوصياتك، الذي يسألك كم راتبك؟ لن يكتفي بذلك بل سيمطرك بعدة أسئلة لاحقة.. عليك أقساط؟ كم إيجار بيتك؟ هل تدخر من راتبك؟ كم تصرف في الشهر؟ هل يعطونك مكافأة في الدوام؟ ثم بعد كل ذلك سيقول لك، "معقولة ما تدخر، أجل وين يروح راتبك؟".
تذكرت كل تلك "اللقافة" وأنا أستمع لقصة شاب ترويها والدته بكل حسرة تقول، "تخرج ابني قبل عامين بامتياز من كلية الطب وأخبرنا عن رغبته في الزواج وشجعناه لندخل في مرحلة البحث له عن عروس، حتى وقع اختياره على زميلة شقيقته الصغرى في العمل، في موعد الشوفة الشرعية طلب والدها حضور ابني فقط، لم نمانع رغم غرابة الطلب، لكن أسندنا الأمر إلى احترام أعرافهم، ذهب ابني إلى الموعد واستقبله والدها وبدأ فتح تحقيق شامل معه عن كل صغيرة وكبيرة في حياته، سأله كم راتبك؟ هل تعمل في عيادة خاصة؟ هل عليك أقساط؟ هل عندك أسهم وعقار؟ إذا تزوجت أين ستذهب في شهر العسل؟ أهلك عندهم سواق وخادمة؟ كم عدد أفراد أسرتك؟ ماذا يعمل أبوك وأمك؟ هل يملكون عقارات؟ كم رواتبهم؟...إلخ، لم يتبق سؤال خاص في الدنيا لم يسأله له وبعد ساعات من التحقيق الدقيق قال، "ابنتي مخطوبة" كاد ابني يصاب بجلطة، حين عاد إلى المنزل كان غاضبا حاولنا تهدئته وأقسم أن يشتكيه في الشرطة لحصوله على معلومات ليس من حقه الحصول عليها، ثم التدليس عليه كذبا بشأن خطوبة ابنته رغم علمه المسبق أنه كان قادما من أجل الشوفة الشرعية، كان الأمر مدمرا لنفسيته وغامضا وبصعوبة تجاوز الأمر لإحساسه وقتها أن والدها استغفله واطلع على خصوصياته.
وخزة:
"راتبك، أقساطك، وظيفتك، المكافآت التي تحصل عليها، رصيدك في البنك، تجارتك، أملاكك عقاراتك إن وجدت، إيجار منزلك، عمرك، ديونك البنكية، سفرياتك الداخلية والخارجية...إلخ، كل هذه الأمور وغيرها ليس من حق أي إنسان مهما كان قريبا منك أن يسألك عنها، خصوصياتك حق خاص لك أنت فقط وليست مشاعا (للملاقيف)".