قضايا الفساد تستأثر بالاهتمام الأول في ماليزيا
ما زالت قضية الفساد المتهم فيها الزعيم الماليزي الأسبق نجيب رزاق، تستأثر بالاهتمام الأول في ماليزيا بسبب توالي المفاجآت والدعاوى فيها. حيث استأنف محامو رزاق الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا الماليزية في تموز (يوليو) 2020، وأدانت فيه الرجل بتهمة إساءة استغلال السلطة في قضية صندوق الاستثمار الحكومي MDB 1 وحكمت عليه بالسجن 12 عاما وغرامة 49.4 مليون دولار، علاوة على حكم بسجنه عشرة أعوام عن كل تهمة من ست تهم أخرى بخيانة الأمانة وغسل الأموال. أحد أسباب الترقب والاهتمام بهذه القضية هو قرب نطق محكمة الاستئناف بالحكم النهائي الذي سيعني إما تبرئة المتهم ليعود إلى الحياة السياسية مجددا، وإما اقتياده إلى السجن ليعيش فيه ما تبقى من عمره.
ولعل مصدر الإثارة في القضية هو ادعاء الفريق القانوني المدافع عن رزاق، بأن القاضي الذي أصدر الحكم ضد الأخير محمد نزلان محمد غزالي، هو نفسه فاسد، وكان مستشارا عاما لشركة كانت تلعب دورا استشاريا في صندوق MDB.
وهذا الزعم أدى بدوره إلى قيام نحو 300 محام بمسيرة منتصف الشهر الماضي احتجاجا على تحقيق أجرته لجنة مكافحة الفساد الماليزية مع القاضي نزلان، واصفين التحقيق بالانتهاك الدستوري لاستقلالية القضاء، وبأنه يتعارض مع الآليات القانونية المعمول بها وقت ورود شكاوى ضد نزاهة القضاة، ويعد شكلا من أشكال ترهيب القضاة الذين يترأسون قضايا رفيعة المستوى بغية إصدار أحكام مواتية لسياسيين بارزين، ومطالبين بأن يكون التحقيق معه من خلال لجنة الأخلاقيات القضائية التي أنشئت في 2009. في السياق نفسه يجدر بنا الإشارة إلى أن نقابة المحامين الماليزية قدمت في 2018 طعنا ضد رئيس المحكمة العليا آنذاك القاضي محمد سفيان عبدالرزاق، الذي كان قد بدأ للتو محاكمة رزاق، وذلك بحجة وجود "شبهة مصلحة" لأن شقيق الأخير محمد صوفي عبدالرزاق، كان يترأس فرعا لحزب أومنو الذي كان رزاق رئيسا له وقتذاك. وعليه، تم قبول الطعن واستبدل عبدالرزاق بخريج حقوق أكسفورد القاضي محمد نزلان، الذي تم نقله من محكمة القضايا التجارية إلى المحكمة العليا الجنائية.
صحيح أن الماليزيين لطالما سمعوا بقضايا فساد عديدة طالت أسماء سياسية بارزة في مختلف العهود، بما فيها عهد رئيس الوزراء الأشهر مهاتير محمد، الذي اضطر ذات مرة أن يرد على اتهامات وجهت له بالفساد بالقول، "من الطبيعي أن يتهم من يعمل بالفساد لأن الذين لا تطولهم اتهامات الفساد هم أولئك الذين لا يعملون"، لكن الصحيح أيضا أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلاد المعاصر التي يتهم فيها زعيم سياسي نافذ وابن رئيس وزراء سابق مثل نجيب تون رزاق، في قضية فساد محددة المعالم وبصورة علنية، ما جعله يفقد زعامته للبلاد والحزب الحاكم بصورة مذلة، وهو أيضا ما جعل قضيته تأخذ هذا الزخم من التفاعل والجدال القانوني، فضلا عن أن هيئة مكافحة الفساد برئاسة القاضي عزام باقي، أصبحت هي نفسها متورطة في جدل ما بين مؤيد ومعارض لطريقة عملها.
وفي تطور لافت يعكس مدى الأزمة السياسية في ماليزيا ومدى التنافس الدائر في أروقة حزبها الحاكم "المنظمة القومية المتحدة للملايو" "أومنو" الذي قاد البلاد إلى الاستقلال وحكمها طيلة الفترة من 1957 "فيما عدا أعوام قليلة"، أدلى الرجل الثاني في قيادة الحزب محمد حسن، أخيرا، بتصريحات قال فيها صراحة، "إن على رزاق أن يدفع ثمن أخطائه، وألا ينتظر دفاعنا عنه أو يستنجد بنا كزعيم سابق للحزب ورمز من رموزه القدامى، عدا أنه ارتكب مخالفات جسيمة تسببت في فقدان الحزب السلطة في 2018 من بعد 61 عاما من الحكم المتواصل، ودفع البلاد إلى أخطر انشقاقات واستقطابات سياسية في تاريخها وصولا إلى تشكيل حكومتين متتاليتين من خلال مناورات برلمانية ودون انتخابات برلمانية، ما أثار تساؤلات المستثمرين حول الديمقراطية والاستقرار في البلاد، ودفعهم إلى الحذر من استثمار أموالهم في ماليزيا، وهو ما جعل بلادنا المباركة متراجعة مقارنة بـالدول المجاورة".
ومن الواضح هنا أن محمد حسن، المحسوب على المعسكر الذي يقوده أحمد زاهد حميدي، ضد معسكر رئيس الوزراء الحالي إسماعيل صبري يعقوب ضمن حزب أومنو، لا يفضل براءة رزاق لأن من شأن ذلك أن يعود إلى العمل السياسي، في الأغلب من خلال قواعده وأنصاره داخل "أومنو"، فيشكل تهديدا لطموحاته وطموحات رفيقه حميدي في قيادة ماليزيا.
الجدير بالذكر أنه لهذا السبب ظل الرجل يدعو باستمرار إلى ضرورة إجراء انتخابات عامة مبكرة على أمل حصول معسكره على التخويل الشعبي المؤدي إلى قيادة البلاد، غير أن رئيس الوزراء الحالي إسماعيل صبري يعقوب، وسلفه محيي الدين ياسين، عارضا الفكرة بحجة أن الوقت غير مناسب لإجراء انتخابات بسبب أوضاع البلاد الاقتصادية، وضرورة التركيز على التعافي الاقتصادي، وإدارة تبعات جائحة كورونا.