Author

اتخاذ القرار بين الإشاعة والخيال

|
أي قرار يتم اتخاذه يدرس بعناية ـ أو دون عناية ـ وينظر إليه في ظل سياق أو زاوية نظر محددة يعرفها متخذ القرار الذي يؤطر مجموعة العناصر المؤثرة في تفكيره وفي نتيجة عملية التقرير. وهذا يحدث للقرارات التنفيذية الكبرى التي يقوم به المسؤولون ويحدث أيضا لأي فرد بسيط يتخذ قرارا خاصا به في أمر من أموره. من هذه العناصر ما هو حقائق وثوابت ومنها ما هو أفكار وتصورات، وفي ذلك كثير من التأثر بالإشاعة أو الخيال.
تقوم جودة اتخاذ القرار على طريقة اتخاذه، وهناك نماذج وأساليب مختلفة للقيام بذلك، وتقوم أيضا على خصائص المعلومات التي تستخدم في القرار، أو المدخلات، هل هي ملائمة؟ صحيحة؟ مكتملة؟ يمكن تقييمها والتحقق منها؟ في كثير من الحالات، تكون المعلومات المستخدمة في أدنى حالاتها، خصوصا عندما يمتلئ السياق بالعناصر المشوشة مثل الإشاعة أو الخيال، عندها تصبح زاوية النظر مختلة وضيقة، ودون أدنى شك تتأثر النتيجة تبعا لذلك.
تختلف الإشاعة عن الخيال، الإشاعة هي كذبة يتم تداولها في سياق محدد مثل بيئة العمل أو مجتمع معين، تنتشر، ولا يتبين مقدار صحتها بسرعة انتشارها نفسها. وهي تتطور شكلا ونوعا خصوصا مع التواصل الإلكتروني السريع حتى بين المجتمعات الصغيرة. ينشط هذا السلوك البشري الطبيعي وفقا لطبيعة المعلومة المتداولة وشكلها المنطقي وقدرتها على إثارة الضحك أو السخرية أو التعاطف أو الإثارة المحضة، وتتأثر بحوافز شخصية مختلفة مثل الفضول وتحسين العلاقات وإرضاء الذات. وبكل تأكيد، من لا يجيد التفريق بين الحقيقة والإشاعة يتأثر بها بشكل أو بآخر، أو يؤثر بها في غيره. وتنشط الإشاعة التي تبدأ بسلوك فردي يتحول إلى سلوك جماعي ثم تؤثر في الأفراد، وقد يبقى تأثيرها في متخذ القرار لفترة طويلة على الرغم من أن المجموعة نسيت الإشاعة أو قامت بالتركيز على إشاعات أخرى. من الأمثلة على ذلك، القرارات الخاصة بالوظيفة حين تتأثر بإشاعات خسارة الشركة أو أنها ستغلق أبوابها أو القرارات المالية عندما تتأثر بإشاعة انخفاض أسعار الأراضي أو إلغاء ضريبة أو وجود حوافز اقتصادية مقبلة.
أما الخيال في الجانب الآخر، فهو مجرد خيال fantasy محض لا يرتبط بالحقيقة، قد يكون وهما يتولد في مخيلة الشخص سدا لجهل معين، أو تمنيا لحالة إيجابية معينة، أو سخطا ويأسا من الواقع أو إرضاء للنفس أو تعزيزا لمعتقد غير صحيح. قد يكبر هذا الوهم ويبدأ في الظهور ويلاحظ من قبل الآخرين. وقد يصل إلى مرحلة من التأصل يراه فيها الشخص عنصرا أساسيا في اتخاذ قراراه. عادة ما تتشابه ظروف الخيال والتوهم بالإشاعة، من وجود رغبة في التشفي أو الحماية أو التعاطف، إلا أن الخيال قد ينحصر في عقل فرد واحد فقط، وأعتقد بأنه يأتي في العادة بشكل أكثر ابتكارا، وأقوى حضورا، ولأنه منعزل مستقل متأصل في عقلية الشخص فالتخلص منه صعب ولا ينسى في العادة مثل ما تنسى الإشاعة.
تشمل مخاطر الخيال والتوهم في اتخاذ القرار الخروج بقرارات خاطئة، أو غير مرتبطة بالواقع أو متأخرة جدا. لماذا؟ لأن هذا التوهم يصنع سياقا مخالفا للواقع، وبالتالي تصطدم نتيجة اتخاذ القرار بالواقع. هناك كثير من المواقف التي نتعامل فيها بعفوية وثقة أحيانا، لكننا نكون في الحقيقة نخسر فيها بسبب خيالات وأوهام اندمجت مع اتخاذ القرار. من أشهر الأمثلة الاعتقاد بأن فلان من الناس ـ مدير مثلا ـ لا يحب الشخص المعني، لذا يتخذ هذا الشخص قراراته بناء على افتراض اجتماعي عاطفي هو مجرد نتيجة لبذرة زرعها في مخيلته ثم نمت بتركها دون إزالة وربما يكون سقاها باستمرار ورعاها بابتعاده عن الحقيقة، والحقيقة هي يعكسها التعامل المباشر، التحقق، والتأكد. من الأمثلة الأخرى، يعتقد بأنه فرصه الشخصية ضعيفة لأن إمكاناته محدودة وبأن المعوقات الفعلية أكبر من أن يتجاوزها، ويبدأ مثل هذا في تضخيم التحديات ويحولها إلى مستحيلات دائمة لا تستحق حتى التفكير، فتتجسد وتيبس وتصبح مناطق محظورة يضيق بها أفق حياته.
أرى من يتأثر سلبا بالإشاعة منخدع ومن يتأثر سلبا بخيالاته ظالم لنفسه. الأول منخدع بجهله وعدم قدرته على التفريق بين الحقيقة والإشاعة وربما ارتباطه بممارسي هذا السلوك واندماجه الاجتماعي معهم سبب لانخداعه. والثاني ظالم لنفسه لأنه لا يستمد العنصر السلبي من سلوكيات الآخرين السيئة، وإنما يصنع العناصر السلبية التي تشوش على قراراته بنفسه، فهو مصنع ومستهلك سلبي، بينما المتأثر بالإشاعة مستهلك سلبي فقط. كلا الأمرين يؤثران في جودة القرارات أينما كانت، وكلا الأمرين يتشاركان في الحل والعلاج أنفسهما، اللذين يقومان على التعلم، وتجديد المعرفة، وتجنب السلوكيات الاجتماعية السلبية، والتحرر من المعتقدات الباطلة.
إنشرها