كيف تتعامل الحكومات مع التضخم؟ «4 من 4»

السياسات المالية وعلى مدى الـ40 عاما الماضية تم استخدامها مع السياسات النقدية بطريقة مزدوجة بعد تحطم المدرسة الكلاسيكية للاقتصاد الكلي القائمة على عدم التدخل، ومن أبزر تطبيقات السياسة المالية، الإنفاق الحكومي العام والاجتماعي والضرائب وإدارة الاقتصاد بالتدخل، وهي سياسات فاعلة في مواجهة التقلبات الدورية، بما فيها ترويض التضخم ومعالجة اختلالات النمو والركود، لأن السياسات المالية لها قدرة على معاكسة الدورات الاقتصادية، وإنفاق الحكومة من أهم أفكار جون كينز، بما في ذلك تدخل الحكومة في إدارة الاقتصاد، وتحولت لاحقا إلى ما يعرف بالنظرة الكينزية، أي التدخل والإنفاق الحكومي لتخطي مشكلات الركود أو الكساد.
أثناء فترات الركود تخفض الحكومات ضرائبها، وفي الازدهار تقلص الإنفاق وتزيد الضرائب إذا ما كان هناك حاجة، وعلى الرغم من ذلك لا تعد قاعدة مطردة في السيطرة على التضخم وإدارة النمو، لأنها محكومة بمستوى التنمية، وبكفاءة التجارة الداخلية وتناسب عدد المتنافسين مع حجم السوق، وخلو الأسواق من الاختلالات مثل الاحتكار والتنظيم الخفي من الشركات للأسواق، إضافة إلى ظروف القطاع العائلي والبطالة والمساكن ومدى توازن اقتصاد الحكومة مع القطاعين الخاص والعائلي.
السياسات المالية في واقعها العملي ما هي إلا تركيبة واسعة من الإنفاق الحكومي والإيرادات الحكومية والتحكم في إدارة عجز الميزانية والدين الحكومي وانضباطها المالي من أجل تحقيق استقرار اقتصادي كلي، لذا السياسات المالية في نظر الاقتصاديين من الأدوات التي تخفف من صدمتي التضخم inflation والانكماش deflation.
السياسات النقدية تمثل قرارات البنوك المركزية المستقلة عن السياسيين والبرلمانات، أي أنها مستقلة عن الحكومة ولا يسمح بالتدخل في قراراتها، في مقابل أن السياسات المالية تشير إلى قرارات الحكومة وآراء البرلمانات في الإنفاق والضرائب، وفي الأغلب يقودها وزراء المالية ويسمح بتدخل الجميع في نقاشات السياسات المالية، لذا فإن جزءا كبيرا من أزمة الضغوط التضخمية في أمريكا ناتجة من تدخل السياسيين في السياسات النقدية، كفرط التسهيل الكمي لتحقيق أهداف انتخابية لبايدن، أي أنها لم تكن أهدافا اقتصادية عبر الضغط على الفيدرالي الأمريكي لزيادة المعروض النقدي الذي أدى - بطبيعة الحالة - إلى تسارع معدلات التضخم بعد الأزمة الروسية - الأوكرانية المفاجئة.
إذا ما كانت السياسات النقدية فاعلة على المدى القصير لمحاربة التضخم، فإن السياسات المالية فاعلة على المدى الأطول وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنموي، ولا سيما عندما تكون الحكومة مسؤولة عن نسبة كبيرة من الإنفاق والتوظيف وزيادة معدلات المتنافسين للسيطرة على التضخم وزيادة عدد الوظائف في القطاعين العام والخاص.
في الختام، شدة التضخم العالمي الحالية ناتجة من مزيج تلاعب بالسياسات الاقتصادية وكسر قواعدها والأزمات الجيوسياسية، لذا ليس أمام صناع السياسات الاقتصادية سوى إدارة الاقتصاد وفق أسس قطاعية والجمع بين السياسات النقدية والمالية والتجارية والتنموية وسياسات الديون وتوزيع الدخل والثروات في المجتمع، والتحكم بالأسعار - إذا لزم الأمر - في الأزمات، ووضع خطط تفتيت الطلب المكبوت بطرق استباقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي