الاستمرار حتى النهاية «1 من 4»
كانت ميليسا ديل من جامعة هارفارد، وهي أول من استخدم طرقا جديدة للكشف عن موروثات الماضي، تحتاج إلى استراحة من البحث الأرشيفي في كوسكو ببيرو. لذلك، استقلت حافلة لزيارة المنطقة الجبلية النائية التي كانت تقوم بدراستها وقضت بضعة أسابيع في التحدث إلى أحفاد من عملوا في مناجم الفضة إبان الحكم الإسباني. كانوا يرتدون زي الكيتشوا التقليدي ويعيشون في مساكن خشبية ذات أرضيات ترابية وبلا نوافذ.
وتذكرت ديل قولها، "كنت أسأل الناس، هل هذه الأماكن الموجودة هنا مختلفة عن تلك الموجودة هناك؟"، مشيرة إلى بعض القرى على بعد أميال قليلة. "فكانوا يقولون، هناك طريق واحد في الأماكن الموجودة هناك. لذلك فإنهم يستطيعون نقل الذرة إلى السوق عندما يزرعونها. وإذا حاولت أن أنقل الذرة إلى السوق، فستتلف في الطريق لعدم وجود طرق معبدة".
وقد أكدت تلك الحوارات ما تناولته ديل في أطروحتها، وهو أن نظام العمل القسري في الحقبة الاستعمارية، والمعروف باسم "ميتا"، قد ترك بصمة على السكان الأصليين لا يزال من الممكن الشعور بها بعد قرنين من الزمان. وعند زيارة ديل، لم يكن في منطقة "ميتا" سوى عدد قليل من الطرق المعبدة، وفي الأغلب كان سكانها أفقر، واحتمال عملهم في زراعة الكفاف أكبر، مقارنة بأولئك الذين كانوا يعيشون خارج حدودها.
وقد نشر بحث ديل في مجلة "إيكونوميتريكا"، وهي دورية علمية مرموقة، في 2010، عندما كانت لا تزال طالبة دراسات عليا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وواحدة من أكثر مقالاتها التي يتم الاستشهاد بها،The Persistent Effects of Peru’s Mining Mita، لا تزال تدرس في دورات الاقتصاد الجامعية في جامعتها، جامعة هارفارد، كما كان لها تأثير واضح في القرار الذي اتخذته الجمعية الاقتصادية الأمريكية في 2020 بمنحها وسام جون بيتس كلارك، الذي يمنح كل عام لاقتصادي بارز تحت سن الـ40.
وعن أسرار النجاح، فإنه لطالما تساءل العلماء عن سبب ازدهار بعض الأماكن، وعدم ازدهار أماكن أخرى، وكيف ترتقي المجتمعات في سلم التنمية لتحقيق مزيد من الازدهار؟ وما الخلطة السرية للنجاح الاقتصادي؟ ولماذا يكون نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في كوريا الجنوبية أعلى بكثير مقارنة بكمبوديا، التي كانت تتمتع بمستوى معيشي مماثل في 1960؟
وقد أسهمت أسئلة من هذا القبيل في صدور كتب شبه ملحمية ذات تأثير واسع النطاق عبر القرون والقارات، مثل كتاب Guns، Germs، and Steel، من تأليف جاريد دياموند، الذي يبحث في العوامل البيئية، وكتاب Why Nations Fail، من تأليف دارون أسيموغلو وجيمس روبنسون، الذي يركز على دور المؤسسات.
وقد جذبت هذه الأسئلة اهتمام ديل، لكنها أرادت اتباع مسار مختلف، فقد أجرت فحصا دقيقا للموضوع، ولم تبحث في تباين ثروات القارات والدول، بل في تباين ثروات المدن والقرى المتجاورة.