Author

عندما تطغى المشاعر على الحكمة

|
بين فينة وأخرى تظهر في الغرب، بل ربما من المنتسبين إلينا، أصوات نشاز تنتقد الأضحية، وأنها إسراف، وإضاعة للمال الذي يفترض إنفاقه في أمور أكثر أهمية، ويرون إعطاء المال مباشرة للفقراء والمساكين، وقد تبنى البعض هذا الموضوع يلوك فيه، ويجعل منه قضية القضايا التي لا يعلو فوقها أي شيء آخر. وأتذكر قبل أعوام جعلت نائبة في البرلمان الإيطالي شعيرة الأضاحي قضيتها الأولى منتقدة المسلمين في هذه الشعيرة، مبدية رأفتها بالأنعام التي يراق دمها تقربا إلى الله لكونها عبادة يحث عليها الدين الحنيف، كما تناول الموضوع بعض المشاهير، كالممثلين، كإحدى الممثلات الأمريكيات، والإعلاميين، منددين ومنتقدين الشعيرة، ويصفونها بالبشعة وقلة الرحمة.
ونسيت النائبة ملايين الحيوانات التي تذبح بشكل يومي في أنحاء العالم قاطبة، لتوضع على موائد الأغنياء، والمقتدرين على دفع الأثمان الباهظة لوجبة "ستيك"، أو أضلاع، أو الشطائر المحشوة باللحم من مختلف الحيوانات، كما أن المناسبات الدينية كعيد الميلاد، وعيد الشكر تقدم فيها الوجبات المتضمنة اللحوم، بجميع الأصناف. ولعل وجبة عيد الشكر المعتمدة في الأساس على الديك الرومي في أمريكا الشمالية تمثل مثالا حيا لمن يرون ممارسات الآخرين خاطئة، وممارساتهم صحيحة، في عيد الشكر تذبح ملايين الديوك الرومية، ولا أحد ينتقد، أو يعبر عن مشاعر الرأفة الكاذبة التي يبديها البعض، أو مشاعر الحرص على الاقتصاد الوطني، أو العالمي.
لست بصدد الحديث عن هذه الشعيرة الدينية، وقيمتها في نفوس المسلمين أينما وجدوا، بوصفها عبادة لله، إلا أن قيمتها الاجتماعية والمعنوية تمثل وجها من أوجه التكافل الاجتماعي الذي يقوي العلاقات بين أفراد المجتمع ليحس الغني بالفقير، سواء في المجتمع المحلي، أو خارجه، خاصة في هذا الزمن الذي تيسرت فيه وسائل التواصل بين سكان المعمورة.
في كل مجتمع من المجتمعات توجد طبقات اجتماعية، من حيث الثراء والفقر، ومع التحولات في المجتمعات يوجد معدمون في العالم لا يتذوقون اللحم أعواما، لعدم قدرتهم على شرائه، ولذا تمثل مناسبة عيد الأضحى المبارك مناسبة يواسي فيها المضحون، غير المقتدرين على الأضحية، وكم من الناس في سائر المجتمعات الإسلامية من ينتظر العيد بفارغ الصبر.
مشروع الهدي والأضاحي الذي تبنته المملكة يمثل برنامجا عمليا ترسخ من خلاله المملكة قيمة ما ورد في الحديث الشريف: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». فالبرنامج يصل المجتمعات الإسلامية الأكثر احتياجا، بناء على دراسات لواقع المجتمعات، وبالتنسيق مع الجهات الرسمية والأهلية في المجتمعات الإسلامية، كما أن الجمعيات الخيرية تمثل حلقة تواصل مع المضحين وغير المضحين لمعرفتها بأحوال الناس.
التقنية الحديثة، خاصة عمليات تحويل الأموال، أسهمت بشكل بارز في إيصال الأضاحي، وذبحها خارج وطن المضحي، إضافة إلى صدقات الأضاحي، وهذا ما تقوم به هيئة الإغاثة، ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، لتمثل جميع الجهود الرسمية، والفردية، والأهلية، وتقدم دعما معنويا واقتصاديا تستقوي به المجتمعات الأقل حظا في وضعها الاقتصادي، ولو لفترة من العام.
إنشرها