Author

تجارب العملاء في الجهات الحكومية .. لماذا الآن؟

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

يعد العميل أحد مرتكزات الاستراتيجية الرقمية التي تقوم المنظمات على أساسها في صياغة إدارة تجارب العملاء Customers Experience وهو مبدأ يهدف إلى إبراز دور العميل في الخطط والرؤى والأهداف. وتتمثل تجارب العملاء في الخبرات المتراكمة بين المنظمة والعميل التي تكون مبنية أساسا بالحفاظ على العملاء الحاليين وضمان استمرار وفائهم وضم عملاء جدد، إضافة إلى دراسة السوق وقياس وتقييم تجربة العملاء مع المنتج خلال فترات زمنية. وتتصارع المنظمات في عالم التحول الرقمي لرسم مجموعة متنوعة من القنوات ونقاط الاتصال المختلفة مع العميل. إن كانت الشركات والمنظمات الربحية سيتحقق لها الربح المنشود من خلال الحفاظ على العميل الحالي والبحث على عميل جديد من أجل زيادة الربحية وتطوير منتجات وخدمات، أو بمعنى آخر إنفاذ مبدأ تجارب العملاء، يا ترى ما الذي ستجنيه الجهات الحكومية من مفهوم تجارب العملاء على الرغم من أن العملاء مجبرون على ما تقدمه الجهة الحكومية التي لا تعمل في بيئة تنافسية من أساسه؟ وقد يشمل السؤال تلك الشركات ذات الصبغة الاحتكارية، مثل صناعة الكهرباء والمياه وغيرهما. قبل الاسترسال في الموضوع، يجدر التنويه بأنه قد اختلط على البعض مفهوم تجارب العملاء مع خدمة العملاء، وشتان بين الأمرين. فلا تقدم خدمة العملاء التعاطف مع العميل أو السؤال عن تجربته قبل الخدمة وبعدها، لكنها مجرد ردة فعل لأي استفسار أو شكوى قد تطرأ من جراء الخدمة، والهدف منها حل بطاقة تلك الشكوى في أقرب وقت ممكن وإغلاقها حتى لو سخط العميل، وهذا في حد ذاته لا يبني علاقة إيجابية بين الجهة الحكومية والعميل.
إن عديدا من الوزارات والهيئات والجهات الحكومية وشبه الحكومية بدأت رحلاتها الخاصة في سماء التحول الرقمي، والبعض أبحر فعليا في محيط تجارب العملاء. ومع اختلاف أهداف ومتطلبات تلك الجهات الحكومية، إلا أنها تشترك في تعزيز الثقة بالعملاء، سواء المواطنين والمقيمين والمجتمعات المحلية والزوار والشركات الخاصة، من خلال تقديم خدمات مميزة، إضافة إلى تقليل التكاليف وتبسيط العمليات والسياسات. والأهم هو رفع درجة الولاء إلى الجهة الحكومية من أجل أن يرتقي العميل ويكون متحدثا ومدافعا عن خدمات الجهة الحكومية من غير تدخل الدعم الفني بالرد، كما نشاهده اليوم في وسيلة التواصل "تويتر". وعلى الرغم من أن الجهات الحكومية لا تعمل في بيئة تنافسية، فإن هذا لا يعفيها من مسؤولية رعاية العملاء من مواطنين ومقيمين والاستجابة لهم. وقد يتأثر العملاء على نحو مشاهد بتجاربهم مع المنظمات التجارية، ويتوقعون المستوى نفسه من الخدمة الفاعلة والشخصية المميزة عند التعامل مع الجهات الحكومية. ولقد درست برامج تجارب العملاء من قبل مؤسسات ربحية، مثل: "أمازون" و"أبل" و"نتفليكس"، وكانت النتيجة ولاء أقل للعملاء مع الجهات الحكومية بحكم مقارنة الجهات الحكومية بالربحية. لقد كانت توقعات العملاء منخفضة في الماضي عندما يتعلق الأمر بالخدمات الحكومية، لكن تغير الفكر بشكل كبير لتزايد توقعات العملاء عبر سلوك المستهلك والانفتاح عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ونتيجة لذلك، فإن توقعاتهم آخذة في الازدياد فيما يتعلق بتقديم الخدمات الحكومية والبحث عن تجارب عملاء مميزة. إن تجربة العملاء الرائعة تؤدي إلى درجة من الثقة العالية بالعملاء الذين بدورهم سيكونون أكثر انخراطا فيما تحاول الوزارة أو الهيئة أو غيرهما تحقيقه، بل سيكونون أكثر استعدادا للمساهمة الإيجابية عندما يطلب منهم تغذية رجعية حول تحسين الخدمات أو إبداء الملاحظات.
إن أعظم التحديات التي تواجه الجهات الحكومية لا تختلف كثيرا عن أي منظمة تجارية أو ربحية، فمن الطبيعي التركيز على العملاء وجعل الحصول على الخدمة أكثر سهولة ومرونة لهم. ومن ضرورات تحقيق مركزية العميل Customer Centricity والقدرة على تقديم خدمات سريعة وفاعلة، هو الوصول إلى البيانات ذات الصلة حول العملاء وحجم التفاعلات التي لديهم مع المنظمة، لأن توافر هذه البيانات يؤثر في سرعة وكفاءة وجودة الخدمة المقدمة. لكن تواجه الجهات الحكومية تحديات حقيقية نحو تبني وتنفيذ تجارب العملاء والقدرة على تحقيق مركزية العميل، مثل الثقافة السائدة في المنظمة وطرق عفا عليها الزمن وعمليات وأنظمة قديمة، بل حتى قدرات وظيفية عتيقة قد تحتاج إلى تأهيل أو استقطاب كفاءات ومهارات جديدة. ومن التحديات أيضا هو تقادم أنظمة المعلومات وضعف دقة وتكامل البيانات، وهذا بدوره سيؤثر في تقديم خدمات سريعة وفاعلة. بالفعل، تحتاج الجهات الحكومية إلى مراجعة ما لديها من أنظمة وإجراءات وكفاءات والعمل نحو تحديثها من أجل توفير مستوى وجودة الخدمة التي يتوقعها العملاء.
وتتطلب مبادرات وبرامج تجربة العملاء عادة استثمارات كبيرة من أجل تحديث عمليات وبرامج التقنية وأنظمة المعلومات التي تعد كجزء من مشروع تحول رقمي أوسع، ولا يمكن لأي جهة حكومية معالجة كل شيء دفعة واحدة. لذلك فلا بد من قراءة الوضع الراهن ومعرفة أكبر التحديات وجدولة حلها في قائمة أولويات زمنية بحيث تتحقق أكبر النتائج وأفضلها. وأخيرا، من المهم الحصول على تأييد ودعم قيادة الجهة الحكومية سواء من قبل الوزير أو المحافظ أو رئيس مجلس الإدارة وكبار المسؤولين. ودون هذا الدعم فلن تحقق برامج تجربة العملاء أي نجاح، لكن سيتطلب تقديم حجج قوية عن أسباب ودوافع مبادرات وبرامج تجربة العملاء وما يرغب في تحقيقه، لأن القيادة التنفيذية ستفكر تلقائيا أن البرنامج مجرد هدر مالي فقط، وبالتالي قد ينظر إلى مبادرة تجارب العملاء، على أنها ليست بذات أهمية، ومن ثم تضيع أدراج الرياح. وفي حقيقة الأمر، نحتاج إلى تأسيس لجنة وطنية لتجارب العملاء على غرار اللجنة الوطنية للتحول الرقمي، وتعنى بمتابعة برامج تجارب العملاء في الجهات الحكومية وإصدار تقارير دورية ومتابعة آخر التطورات بشأن منجزات تجارب العملاء.

إنشرها