مسافر ومديون
يفكر كثيرون في السفر للخارج عند بدء العطلة الصيفية وهذا أمر طبيعي ويدخل ضمن القرارات الشخصية التي من حق كل فرد أن يتخذها، لكن حين يتعلق الأمر بتحميل الدخل المالي للأسرة قروضا طويلة الأجل سيدفع جميع أفرادها الثمن مستقبلا، فذلك نوع من التهور والمجازفة غير محسوبة العواقب. نتفق جميعنا أن السفر من أجمل المحطات التي تشكل منعطفا جميلا في حياتنا وتدفعنا إلى تحسين نفسياتنا بعد شهور من العمل الكادح والدراسة والروتين الممل، وتجعلنا نتعرف على ثقافات جديدة وبيئات مختلفة ونستمتع بالأجواء المنعشة والطبيعة الخلابة، لكن حين يتحول الأمر إلى ظاهرة اجتماعية تلزم الأفراد به بغض النظر عن ظروفهم وقدراتهم المادية، فهنا لا بد لنا من نشر التوعية في المجتمع، في هذا الوقت تحديدا الذي يشهد فيه العالم غلاء معيشيا متزايدا ونفقات ترهق كاهل الأسرة، فإن إضافة مزيد من الأعباء المادية غير الضرورية هو نوع من المغامرة والجنون معا. السفر ليس "كشتة بر" في النفود ولا "قطة شباب" في استراحة، بل هو سلسلة لا متناهية من الإنفاق المكلف بدءا من أسعار التذاكر التي تتجاوز الآلاف إلى دفع فواتير حجز الفنادق المختلفة حسب المناطق التي سيتم التجول فيها إلى تكاليف إيجار وسائل النقل ومكاتب تأجير السيارات الخاصة، إلى أسعار المطاعم والكافيهات والترفيه ومدن الألعاب والأسواق إلى شراء الهدايا والتذكارات للأهل والأحباب، إضافة إلى المصاريف الأخرى الطارئة.
في تلك اللحظة التي يتوجه فيها الأب أو الزوج إلى مصرف مالي للحصول على قرض من أجل السفر، فإنه كمن يمسك برقاب صغاره ويحشرهم في زنزانة ضيقة لن يخرجوا منها إلا بعد سداد آخر قرض للمصرف، تلك الأيام السريعة التي سيستمتعون فيها بالسفر والتجوال والمناظر والطبيعة والألعاب سيدفعون ثمنها غاليا فيما بعد من الاحتياج والضيق والكرب المادي، الاندفاع عاطفيا في مثل هذه الأمور إما تقليدا للآخرين وإما رغبة في عدم الإحساس بالنقص لأن كل من حولهم من الأقارب والأصدقاء مسافرون، هو اندفاع غير مدروس، الإشكالية ليست في السفر بحد ذاته بالعكس الأشخاص القادرون ماديا لن يلومهم أحد لو سافروا كل أسبوع، لكن الإشكالية حين نجعله طقسا مجتمعيا ملزما للجميع بغض النظر عن ظروفهم، أخبروا أولادكم أن السفر للخارج صيفا ليس ضرورة إن لم تسمح ظروفكم المادية بذلك، ناقشوهم في هذا المفهوم المجتمعي الخاطئ، ثم كافئوهم بأشياء كانوا يتمنونها كرحلة سياحة داخلية أو دورات تشبع ميولهم أو أجهزة كانوا يتمنون الحصول عليها.
وخزة:
"قروض السفر التي تجعل الأسرة غير قادرة فيما بعد على تحقيق الضروريات لأبنائها هي حقا جريمة".